ذلك فعلا قيدا فيه.
ودعوى : أنّ ذلك خلاف ظاهرهم ، بل الظاهر عدم إرادتهم بهما هذا المعنى ، لأنّهم يستدلّون على اشتراط ذلك في الوضوء بأنّ المتبادر من قوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ )(١) ـ الآية ـ هو كون الوضوء لأجل الصلاة ، أي « اغسلوا وجوهكم لأجل الصلاة » كما يقال في العرف : « إذا لاقيت الأسد فخذ سلاحك » أي خذه لأجل لقائك الأسد ، فلا وجه للتوجيه المذكور في كلامهم ، فيلزم أن يحصل الامتثال بمقدّمة الصلاة لو لم يقصد الامتثال بها أو قصد الإتيان بغيرها ، فلذا ذهب جماعة كابن إدريس والشيخ إلى أنّه لو اغتسل الجنب للجنابة لأجل الدخول في المسجدين لا يجوز له اللبث فيهما ، لأنّ جوازه مشروط بالغسل لوجوبه عنده ، والمفروض عدم كون الغسل المأتيّ به لأجله.
يدفعها : منع تبادر هذا المعنى من الآية ، بل المتبادر منها أنّ وجوب الوضوء إنّما هو لأجل القيام إلى الصلاة ، وهو أعمّ من لزوم قصد الإتيان بالصلاة عند الإتيان بالوضوء الواجب.
واستدلالهم بالآية لاعتبار الأمرين ـ مع أنّه قابل لردّه بمنع الدلالة في الآية على اعتبارهما كما لا يخفى ـ لا يقتضي أزيد من إرادة إثبات ما ذكرناه من حصول القابليّة وهو أعمّ من فعليّة إرادة الدخول كما عرفت.
والمثال العرفي معارض بمثله فيما لو قال : « إذا جاءك زيد فأكرمه » حيث لا يتبادر منه إلاّ كون علّة وجوب الإكرام هو المجيء ، وأمّا كون الإكرام مقرونا بقصد كونه لأجل المجيء لا ينساق منه عرفا ، كما أنّ قول الجماعة معارض بما لو اغتسل الجنب عن الجنابة للصلاة فإنّه يجوز معه الدخول في المسجدين واللبث فيهما إجماعا ، مع أنّه لم يأت به لأجل ذلك.
وأمّا الاستشهاد على عدم الامتثال عرفا لو أتى بالمقدّمة خالية عن قصد الامتثال بذي المقدّمة بما تقدّم من المثالين المتقدّمين في تقرير الاستدلال على اعتبار القصد المذكور ، فهو أيضا في غاية الوهن.
أمّا المثال الأوّل : فلمنع عدم الامتثال عرفا لو حصل الدرهم لا بقصد كونه لأجل الاشتراء إن اريد بالامتثال الإتيان بالمأمور به ، لوضوح أنّه يصدق عليه أنّه آت بالمأمور به وهو الدرهم ، ولو اريد به معنى آخر فلا دخل له في ما هو مفروض المقام.
فإن قلت : المراد به الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وهو ليس بحاصل في المقام.
__________________
(١) المائدة : ٦.