ومن البيّن أنّ الفقيه ليس من وظيفته إلاّ البحث عن فعل المكلّف من حيث الحلّ والحرمة ونحوها.
والغاية المطلوبة من هذا البحث ـ نظرا إلى أنّ مسألة كلّ علم لابدّ فيها من ثمرة تعدّ من الغايات المطلوبة في ذلك العلم ـ إنّما هو الانتقال إلى استحقاقي الثواب والعقاب وعدمهما المترتّبين على الأفعال والتروك.
وأمّا ما عدا ذلك ممّا قد يذكره الفقهاء كبرّ النذر وحنث الحلف ووفاء العهد وحرمة أخذ الاجرة على واجب أو محرّم وحرمة إجراء العقد عليهما وعدمهما في غيرهما وخروج الفاعل أو التارك فاسقا مع الإصرار أو لا معه ، فإنّما هو من اللوازم الغير المقصودة أصالة فيذكر تبعا من باب التفريع.
نعم قد يؤخذ بعض ما ذكر ثمرة أيضا في كلّ مقام ثبت عندهم وجوبه توصّلا أو حرمته للغير ، نظرا إلى عدم ترتّب الاستحقاقين عليهما حينئذ فيرتّب ما هو من اللوازم الغير المقصودة أصالة على تقدير ترتّبهما ولا ضير في كون ذلك على غير هذا التقدير مقصودا بالأصالة ، كما لا ينافي كونه كذلك حينئذ كونه غير مقصود بالأصالة على هذا التقدير.
ولا ريب أنّ ما يرجع إلى المسائل الاصوليّة من البحث في تلك المسألة إنّما هو إثبات الملازمة بين الوجوب ووجوب المقدّمات ونفي تلك الملازمة ، وليس ذلك بحثا عن أحوال فعل المكلّف ، ضرورة أنّ الملازمة أمر عقليّ يضاف إلى ما هو من العوارض لا أنّها بنفسها من العوارض ، فإذا أخذت هذه وجودا أو عدما من مبادئ الاستنباط يكون ثمرتها المقصودة بالذات إثبات الوجوب أو نفيه في أفعال أو تروك للمكلّف تكون مقدّمات داخليّة أو خارجيّة ـ سببا أو شرطا ـ لأفعاله الاخر الّتي صارت واجبة عليه أصالة بالوجوب النفسي أو الغيري.
فإنّ البحث عن وجوب قطع مسافة الحجّ وعدمه ، ووجوب السعي في تحصيل الماء للطهارة الواجبة وعدمه ، ووجوب إجراء الصيغة في العتق الواجب وعدمه وغير ذلك ممّا لا يحصى ليس إلاّ من وظيفة الفقهاء ، وليس ذلك بغين ما عنونه الاصوليّون في تلك المسألة جدّا كما يظهر بأدنى تأمّل ، فلذا لا يورد إلاّ في الكتب الفقهيّة ويجعل ما هو كلّيّة المسألة الاصوليّة دليلا على ذلك على حدّ كلّيّة الكبرى المعتبرة في جميع الاستدلالات.
فيقال : إنّ الشيء الفلاني الّذي هو شرط أو سبب لذلك الواجب الخاصّ واجب