مدار البحث على الإيجاب الأصلي لينافيه الذهول وعدم شعور الآمر به فيترتّب عليه بداهة الاستحالة لما سبق تحقيقه في تحرير موضع النزاع ، والوجوب التبعي الّذي ينوط به البحث لا ينافيه عدم الشعور بموضوعه أو عدم قصد إيجابه لما سيأتي تحقيقه عند ذكر الأدلّة على الوجوب ، وكأنّ الاستناد إلى ذلك الوجه نشأ عن توهّم [ وقوع ] الوجوب الأصلي محلاّ للنزاع ، فعليه يتّضح فساده لما اتّضح آنفا من فساد مبناه.
فبالجملة لو اريد بإيجاب المقدّمة ما يلزم منه الوجوب الأصلي فالملازمة مسلّمة ، فيترتّب عليه صحّة الدليل على هذا التقدير لكون بطلان اللازم بديهيّا.
ولكن يبقى الكلام معهم في صحّة ذلك التقدير ولقد أفسدناه سابقا ، فيترتّب عليه فساد الدليل ، ولو اريد به ما يعمّ الوجوب التبعي أيضا فجوابه منع الملازمة.
وربما اجيب عنه أيضا : بأنّ عدم التعقّل فيما هو الغرض الأصلي من وضع المسألة من أوامر الله تعالى ممنوع.
وقد يقرّر ذلك : بأنّا لا ندّعي أنّ إيجاب المشروط إذا صدر عن أيّ آمر كان يستلزم إيجاب الشرط ، بل إنّه إذا صدر من الحكيم العالم الشاعر كان مستلزما للإرادة الحتميّة المتعلّقة بمقدّماته عند الشعور بكونها مقدّمة له ، وهذا نظير ما يقال إنّ إرادة الشيء تستلزم كراهة ضدّه عند ملاحظة كونه ضدّا وعلى هذا يندفع الاحتجاج.
وفيه : مع أنّه عدول عن إطلاق القول بوجوب المقدّمة وإحداث تفصيل لم يتفوّه به أحد ولا هو مذكور في عداد أقوال المسألة ، أنّ المراد بالإرادة الحتميّة المتعلّقة بالمقدّمات إن كان هو الإرادة الإجماليّة الغير المنافية لعدم استحضار شخص المقدّمة عند طلب ذيها تنزيلا للطلب والإرادة الإجماليّين منزلة التفصيليّين في الآثار المطلوبة منهما فهو صحيح لأنّ مرجعه إلى ما قرّرناه ، ولكن تخصيص ذلك بما صدر من الحكيم العالم الشاعر غير جيّد ، لاطّراد الحكم حينئذ في أوامر من لم يجامع تلك الصفات أيضا ، وإن كان خصوص الإرادة التفصيليّة المستلزمة لاستحضار الشخص المقدّمة الّذي هو من لوازم الوجوب الأصلي فهو سقيم مردود على مدّعيه ، لعدم اطّراد الحكم حينئذ حتّى في أوامر من جامع الصفات المذكورة.
وتوضيح ذلك : أنّ تعلّق الإرادة حتما بالمقدّمات فعلا إذا صدر الأمر بذي المقدّمة من الحكيم العالم الشاعر إمّا من لوازم الحكمة بحيث لولاه لخرج عن كونه حكيما ، أو من لوازم العلم بحيث لولاه لانقلب جهلا ، أو من لوازم الشعور بالمقدّمة أو وجوبها بحيث لولاه