لدعوى كون غرض الشارع من الأمر بذي المقدّمة بيانا لفوات خاصيّة المأمور به عن المأمور غير مقصود به حصول الفعل نظرا إلى امتناعه.
وأمّا ثانيا : فلأنّ كون غرض الشارع من الأمر بذي المقدّمة بيان خاصيّة المأمور به الفائتة عن المكلّف إن كان مع الطلب والإرادة الحتميّين فهو كرّ على ما فرّ.
وإن كان بلا طلب وإرادة بأن يكون لمجرّد الإخبار بتلك الخاصيّة فهو خروج عن موضع البحث ، لأنّ فرض الكلام إنّما هو على تقدير بقاء وجوب ذي المقدّمة على تقدير ترك المقدّمة الّذي لا يراد منه إلاّ الطلب الحتمي الإلزامي ، وإلاّ فينقلب المقدّمة الاولى المذكورة في تقرير الاستدلال بالمقدّمة الثانية وهي خروج الواجب عن وجوبه ، ضرورة أنّ مفاد أمر الطبيب ليس هو الواجب المصطلح الّذي يستحقّ العقاب بمخالفته ، والكلام إنّما هو في ذلك دون غيره.
وأمّا التمسّك على جواز التكليف بالممتنع العرضي الناشئ امتناعه عن اختيار المكلّف بالقضيّة المتقدّمة ، فمبنيّ إمّا على كون المراد بثاني الاختيارين كون الفعل اختياريّا في ثاني حال الامتناع أو كونه في حكم الاختياري في تعلّق الخطاب به وترتّب العقاب على مخالفته ، والأوّل بإطلاقه غير صحيح لما سنقرّره والثاني أيضا غير سديد لما عرفت.
وربّما يعترض عليه أيضا : بأنّ ذلك مبنيّ على توهّم كون المراد بالاختيار الثاني هو الاختيار في ثاني زمان الامتناع ، بمعنى كونه مختارا في الفعل فعلا بعد ما صار ممتنعا ، فحينئذ يجوز التكليف به فعلا لأنّه تكليف بالفعل الّذي فاعله مختار فيه وإن كان هو بنفسه ممتنعا.
وهو كما ترى توهّم فاسد واشتباه فاحش ناش عن عدم التدبّر في فهم تلك القضيّة وعدم فهم المراد منها ، فإنّها قضيّة كلاميّة ذكرها علماء الكلام قبالا للجبر الّذي صار إليه الأشاعرة ـ بدعوى : أنّ العباد مجبورون في أفعالهم غير مختارين ، لأنّ المختار كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن شاء ترك ، فالعبد إذا أراد ترك فعل من أفعاله إرادة جزميّة فهو بعد الترك لا يقدر على فعله فكيف يقال بأنّه بحيث إن شاء فعل ، فيكون مختارا ـ لتكون ردّا عليهم في ذلك المذهب الفاسد والاعتقاد الكاسد.
ومحصّل مرادهم بها : أنّ الامتناع صفة للفعل والاختيار صفة للفاعل ، ومعنى ذلك أنّ صيرورة الفعل ممتنعا بسبب اختيار المكلّف امتناعه باعتبار إرادته لتركه لا ينافي اختياره فيه وكونه مختارا بالنسبة إليه في آن اختيار الترك وحصول الامتناع ، من جهة أنّه إنّما امتنع لأجل تركه الاختياري.