الدوام وهو ليس كذلك ، والمحذور يلزم على هذا التقدير ، بل تحقّق الكفر منه ما دام العمر كشف عن تعلّق العلم به كذلك ، ولو تحقّق منه إلى غاية منقضية كشف عن تعلّق العلم به كذلك ، فلا يكون بحيث لو انصرف عن الكفر انقلب العلم جهلا مركّبا ، كيف وعلمه تعالى ليس إلاّ على حدّ علمنا بمعلوماتنا كما أنّه منّا لا مدخل له في تحقّق المعلومات أصلا كذلك علمه تعالى.
نعم بينهما فرق في التقدّم والمقارنة أو التأخّر ولكنّه لا ينافي التبعيّة ، إذ ليس المراد بها ما يلزمه التأخّر ، بل المراد بها أنّه لولا تحقّق المعلوم ولو لاحقا لما تعلّق به العلم ولو سابقا ، نظير علمنا سابقا بما يقع لاحقا.
نعم ربّما يتخيّل في بادئ النظر كون امتناع تكليف الكافر بالفروع من جهة كونه سفهيّا من جهة علمه بعدم الامتثال.
ولكن يدفعه : منع انحصار فائدة التكليف في إرادة الامتثال ، بل ربّما يصحّ التكليف من الحكيم لترتّب فائدة قطع العذر وإتمام الحجّة ، فإنّه ممّا يشهد بجوازه القوّة العاقلة وعليه بناء العقلاء في جميع الأعصار الحديثة والقديمة ، وهذا كلّه هو مرادنا في الاستدلال من دعوى فقد المانع عن التكليف بعد وجود المقتضي.
نعم ربّما يشكل ذلك في المرتدّ الفطري من حيث إنّ الامتناع الناشئ عن اختياره في حقّه غير مقدور على إزالته لعدم مقبوليّة توبته ، فيمتنع حينئذ خطابه وعقابه لمكان القبح العقلي على ما تقدّم تفصيله ، فلا جرم حينئذ لابدّ من نفي التكليف بالفروع عنه كما أنّه لا تكليف له بالإيمان على ما هو مفاد عدم مقبوليّة توبته.
إلاّ أن يقال : بمنع الملازمة بين عدم التكليف وعدم المقبوليّة كما قيل في منع الملازمة بين الصحّة والمقبوليّة ، ولكن لا نضائق عقابه على سدّ باب التكاليف على نفسه وسلب الاختيار عن نفسه باختياره ، فإنّه ممّا لا قبح فيه عقلا ولا عرفا كما عرفت مرارا.
وللقول الثالث : أنّ الامتثال بالمأمور به غير ممكن في حال الكفر لافتقاره إلى النيّة الممتنع حصولها من الكافر بخلاف المنهيّات ، فإنّ الاجتناب عنها ممكن لعدم افتقارها إلى النيّة.
والجواب : إن اريد بالنيّة قصد أصل الفعل أو عنوانه فامتناعها من الكافر واضح المنع.
وإن اريد به قصد الامتثال فإن كان اعتباره لأجل إدراك الثواب فهو غير مختصّ بالأوامر.
وإن كان لأجل توقّف الصحّة فهو في الأوامر غير مطّرد بل الأصل فيها عدم الاعتبار