بل نقول هنا : إنّ مقدّمة الوجوب أيضا ترجع إلى مقدّمة الوجود ، فإنّ توقّف الواجب على شيء باعتبار وصفه العنواني إمّا من جهة كونه ممّا يتوقّف عليه الأمر بذلك الواجب أو موافقة الأمر به ، فمقدّمة الوجود حينئذ ما يتوقّف عليه وجود الواجب في ذاته أو في وصفه باعتبار ذلك الوصف به ، أو حصوله في الخارج موصوفا بذلك الوصف.
وإن شئت فلاحظ امتناع حصول الواجب من الحجّ عن المستطيع التارك لقطع المسافة والخروج مع الرفقة ، وعن الغير المستطيع الغير الملتزم بشيء من موجباته وعن المستطيع الآتي بقطع المسافة المرائي في مناسكه ، فيصدق على كلّ واحد أنّه مقدّمة الوجود كما يصدق على الأوّل خاصّة مقدّمة الوجود ، وعلى الثاني مقدّمة الوجوب ، وعلى الثالث مقدّمة الصحّة.
بل نقول : إنّه يصحّ إرجاع الكلّ إلى مقدّمة الصحّة ، نظرا إلى أنّها عبارة عن موافقة الأمر فلابدّ فيها من أمر وموافقة لذلك الأمر وما قام به تلك الموافقة ، فما يتوقّف عليه الأوّل مقدّمة للوجوب ، وما يتوقّف عليه الثاني مقدّمة للصحّة ، وما يتوقّف عليه الثالث مقدّمة للوجود ، فيصدق على كلّ أنّه مقدّمة للصحّة.
فلذا ترى أنّه يمتنع الحجّ الواجب عن الغير المستطيع إذ لا أمر ، وعن المرائي إذ لا موافقة للأمر ، وعن تارك الخروج مع الرفقة إذ لا موافق للأمر أي لا عمل منه ليوافق الأمر.
بل يصحّ إرجاع الكلّ إلى مقدّمة الوجوب أيضا ، فكما أنّ الاستطاعة مقدّمة للوجوب فكذلك الطهارة للصلاة إذ لا وجوب لما خلت عنها ، وكذلك الإرادة لها وقطع المسافة للحجّ إذ لا وجوب لما يترتّب عليهما من العدم والترك.
وبالجملة يصحّ التعبير عن الكلّ باسم واحد وعن كلّ واحد باسم منفرد ، غير أنّه على الأوّل يعتبر ذلك الاسم بمعناه الأعمّ وعلى الثاني يعتبر بمعناه الأخصّ.
ولو اطلق اسم واحد على كلّ اثنين كمقدّمة الصحّة مثلا على الاستطاعة والطهارة فيعتبر ذلك الاسم بمعناه الأعمّ من الثاني والأخصّ من الأوّل كما لا يخفى.
المقدّمة الثانية :
في أنّه إن شئت ملاك الفرق بين مقدّمة الوجوب ومقدّمة الصحّة بمعناهما الأخصّ بحسب اللبّ والواقع ـ على ما يساعد عليه النظر ـ فاعلم :
أنّ كلّ شرط أو سبب ينوط به حسن المأمور به مع قطع النظر عن الأمر به ويتوقّف