النبوي المعروف « رفع عن أمّتي تسعة ... » إلى آخره.
قلت : الظاهر من النبوي بعد تعذّر الحقيقة إنّما هو ذلك ، مضافا إلى أنّ رفع المؤاخذة من دون رفع الحرمة ممّا لا يتعقّل ، لعدم صلاحيّة الامور التسع المذكورة هنا للتكليف بأنفسها ولا بمواضعها كما لا يخفى على المتأمّل ، بخلاف محلّ البحث فإنّ الحمل فيه على الظاهر ممكن والعدول عنه غير متعيّن.
وقد عرفت أنّ ظاهره نفي كتابة أصل العمل المستلزم لنفي المؤاخذة عليه دون التكليف به ، مضافا إلى أنّه ممّا يقتضيه الحمل على النظائر ، فإنّ الكتابة قد وردت في الروايات نفيا وإثباتا في مواضع كثيرة ، منها : ما في فضيلة يوم الغدير ، وثلاثة أيّام من شهر الربيع من عدم كتابة المعاصي ، ضرورة أنّ الّذي لا يكتب إنّما هو نفس العمل من ترك واجب أو فعل محرّم لا أنّ التكليف غير ثابت وهو واضح.
ثمّ إنّه لا يخفى ما بين هذه الأخبار الدالّة على ثبوت العفو عن نيّة المعصية وغيرها ممّا تقدّم من التعارض على ثبوت الاستحقاق للعقاب على الإطلاق من دون عفو.
وربّما يجمع بينهما بحمل أخبار العفو على من نواها مع القدرة عليها ولكن لم يعملها اختيارا وحمل أخبار الاستحقاق من غير عفو على من نواها ولم يعملها من جهة عدم قدرته على الإعمال ، بمعنى انتفاء العمل عنه قهرا لا اختيارا.
وهذا محلّ نظر ، إذ الكلام إنّما هو في العزم المجرّد عن العمل مطلقا حتّى نفس المعصية ، ولا يعقل تجرّد العزم عن المعصية إلاّ مع انتفاء شرط من شروطها أو وجود مانع من موانعها ، وإلاّ فمع تحقّق جميع الشرائط وانتفاء سائر الموانع يقع العزم جزءا أخيرا من العلّة ، ولازمه ترتّب المعلول أيضا لاستحالة انفكاكه عن علّته التامّة ، كيف وإنّ الترك الاختياري ملزوم لعدم الإرادة لكونه مقدّمة له كما تقدّم ، وهو مع الإرادة غير ممكن الاجتماع ، ومعلوم أنّ ملزوم معاند الشيء معاند لذلك الشيء فلا يجتمعان إلاّ أن يفرض حصول الإرادة حين انتفاء بعض الشروط ، فإذا اجتمعت الشروط وحصل جميع جهات الاختيار زالت الإرادة فترتّب عليه ترك العمل اختيارا ، غير أنّه فرض خارج عن محلّ البحث ، إذ الكلام في عدم حصول العمل حين تحقّق الإرادة والفرض ينافيه ، والإرادة الحاصلة قبل اجتماع الشرائط كانت حاصلة حين حصول الترك لا عن اختيار ، وهو مناف لما ذكر في وجه الجمع ، والأولى أن يخصّص أخبار العفو بما عدا نيّة قتل الأنبياء