الاحتجاج انتفاء القرائن في الصيغة الصادرة من السيّد أو تعليلهم الذمّ بمجرّد ترك الامتثال ، ويتمّ الاحتجاج بأخذ واحد منهما ، وحينئذ فمع أخذه التعليل المذكور في الاحتجاج وعدم اعتبار انتفاء القرائن هناك لا يتّجه الإيراد لاحتمال وجود القرائن في المقام (١).
ولا يخفى أنّ ذلك كلام وارد في غير محلّه ، فإنّ مجرّد التعليل غير كاف في تماميّة الاستدلال ، كيف مع أنّ الوجوب إذا كان مستفادا من الخارج لصحّ التعليل المذكور أيضا من دون تأمّل ، ومع ذلك كيف يتفوّه بعدم الحاجة إلى مقدّمة.
ودعوى كون القرائن الموجودة ـ على فرض قيام ـ مؤكّدة أمر لابدّ له من شاهد قويّ ، لكونها احتمالا معارضا بكون تلك القرائن مفيدة ولا سيّما مع ملاحظة كون المعارض أقوى ، لاعتضاده بقاعدتهم المعروفة من أولويّة التأسيس من التأكيد ، فلا مناص من مقدّمة اخرى تدفع احتمال وجود المعارض ، وبالجملة فهذا كلام لا ينبغي الالتفات إليه.
فمحصّل ما أفاده المصنّف في دفع المناقشة : أنّا نفرض صدور الصيغة في مقام غير صالح لاحتمال قيام تلك القرائن ، فلا يبقى للفهم والتبادر حينئذ وجه إلاّ كونه مستندا إلى حاقّ الصيغة.
وأمّا ما يقال على ذلك : من أنّ فرض انتفاء القرائن لا يستلزم وقوع الانتفاء ، فربّما كان حكم النفس ببقاء الذمّ لانضمام القرائن وحصولها في نفس الأمر والواقع وإن فرض انتفاؤها ، نعم لو انتفت القرائن في الواقع وحكم الوجدان ببقاء الذمّ ينفع في المطلوب ، فكلام ظاهريّ لا يعبأ به ، منشؤه عدم الخبرة بما هو قانون المجازات من افتقارها بقيام قرينة ملتفت إليها من كلا طرفي الخطاب لأجل توقّف الفهم والدلالة.
وأنت بالتأمّل فيما حقّقناه ـ في مبحث التبادر في الجزء الأوّل من الكتاب ـ من أنّ الّذي يعدّ من كواشف الوضع يعتبر فيه تجرّد اللفظ عن القرائن بأجمعها ، أو عدم الالتفات منهما إلى القرينة الموجودة معه ، أو كون الالتفات إليها لا لأجل توقّف الدلالة على أصل المعنى وفهمه من اللفظ تعرف فساد هذا الكلام ، فإنّ مجرّد احتمال القرينة في الواقع غير قادح في الدليل ، لأنّه احتمال يدفع بالأصل على فرض عدم العلم بانتفائها في الواقع ، بل العلم بوجودها في المقام أيضا غير كاف في الانصراف عن حكم التبادر ، لاندفاع احتمال
__________________
(١) هداية المسترشدين ١ : ٦١٠.