ـ وهو عدم الإرادة ـ لابدّ وأن يكون نقيض ما هو مقدّمة لنقيض الصارف وهو الإرادة.
ولا ريب أنّ مقدّمة إرادة الحرام في الصورة المفروضة إنّما هو البقاء في المكان المذكور عند الأجنبيّة ، فيكون مقدّمة الصارف ترك هذا البقاء وكون فعل المباح كالخروج مثلا مقدّمة لا يستقيم إلاّ إذا فرض كونه عين ترك البقاء أو مقدّمة سببيّة له ، والكلّ [ كما ترى ] إذ ليس الخروج بالإضافة إلى ترك البقاء إلاّ كالحركة بالإضافة إلى ترك السكون ، وكما أنّ الحركة ليست بعين ترك السكون ولا علّة له إلاّ على القول بالتمانع ، فكذلك الخروج بالقياس إلى البقاء.
فالتحقيق في الصورة المفروضة أنّه يحرم على المكلّف البقاء في المكان المفروض لا أنّه يجب عليه الخروج ، وأنّ أحدهما ليس بعين الآخر.
وقد يجاب عن الشبهة أيضا : بأنّها على تقدير صحّتها لا توجب نفي المباح رأسا ، فإنّ المكلّف قد لا يتمكّن من فعل الحرام فلا يجب عليه تركه ، لأنّ النهي عن الممتنع قبيح كالأمر بالواجب فلا يجب عليه مقدّمة أصلا ، وذلك كالمتشاغل حال الغفلة عن الحرام أو تعذّره منه وهذا ممّا لا حصر له.
واعلم أنّ المصنّف تعرّض هنا لدفع شبهة الكعبي استطرادا ، وإلاّ فهو بصدد إبطال حجّة الخصم المدّعي للنهي عن الضدّ الخاصّ استنادا إلى امتناع اختلاف المتلازمين في الحكم.
وقد عرفت أنّ له في تلك الشبهة طرقا ثلاث ، فكان الأولى تعرّضه لدفعها في جميع طرقها ، وكان الاقتصار بدفعها في طريقها المعروف من جهة إحالة دفع طريقها الأوّل إلى وضوح فساده ، والاكتفاء في دفع طريقها الثالث بما ذكره إجمالا ويذكره تفصيلا في دفع احتجاج خصمه لكون مبناهما على أمر واحد ، فلا يرد على المصنّف أنّ إبطال الشبهة في بعض طرقها لا يقضي ببطلانها مطلقا بعد ما كان لها طرق عديدة.
ثمّ إنّ المعروف من مذهب الكعبي أنّه قائل بنفي المباح فقط مع أنّ حجّته تجري في المندوب والمكروه أيضا.
غاية الأمر كون كلّ مع المباح فردا للواجب المخيّر ، وقضيّة ذلك سقوطهما أيضا عمّا بين الأفعال.
وقد يقال : بإمكان إرادة القدر الجامع للامور الثلاث ، ولكن يدفعه : أنّه خلاف ما في كلام كثير منهم ، حتّى أنّهم أوردوا عليه : بأنّه قد خالف الإجماع في انقسام الأفعال إلى