فإنّ هذا الاستفهام ليس على حقيقته * ، لعلمه سبحانه بالمانع ، وإنّما هو في معرض الإنكار والاعتراض ، ولو لا أنّ صيغة « اسجدوا » للوجوب لما كان متوجّها.
__________________
الحقيقة ، فعار عن التحقيق.
أمّا أوّلا : فلأنّ جواز استعمالها في الوجوب ولو مجازا لم يكن من محلّ الكلام عندهم حتّى يتمسّك لإثباته بتلك الآية.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الاستعمال الثابت بالوجدان لا يعدّ من أمارات الحقيقة إلاّ على قول شاذّ ، لكونه أعمّ منها ومن المجاز باعتبار كونه جنسا لهما أو فصلا هو بمنزلة الجنس ، فكيف الاستعمال الثابت بالظاهر ولا سيّما في محلّ البحث الّذي قد استعمل في معاني عديدة كثيرة حسبما أشرنا إليها على طريق الإجمال.
* بيان لوجه الاستدلال ومحصّله : أنّ لفظة « ما » ليست على حقيقتها ، لامتناع الاستفهام الحقيقي على الله سبحانه من حيث علمه تعالى بعلّة ترك السجود ، فتكون مرادا بها الإنكار ، والمراد بالمنع الدعاء والبعث ، ووجه إطلاقه عليهما لكون المانع عن السجود ـ كما في قوله تعالى : ( ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ )(١) في آية اخرى ـ داعيا وباعثا على تركه وعلّة له ، فيكون المراد إنكار ما يصلح داعيا إلى الترك وباعثا عليه عقلا أو شرعا لا مطلقا ، لاستحالة الترك بدونه كاستحالة الفعل بدونه.
ومن المقرّر في محلّه أنّ الإنكار في الماضي يفيد الذمّ والتوبيخ ، كما أنّه في المستقبل يفيد الترغيب والتحريص ، ولا معنى للذمّ والتوبيخ على ترك السجود إلاّ إذا كان واجبا ، وهو فرع كونه ممّا أفاده الصيغة المجرّدة عن القرائن ، كما أنّ الاستحقاق بهما فرع لفهمه عنها وهو المطلوب.
ويمكن تقرير ذلك : بأنّ الصيغة حين صدورها إن كانت ممّا فهم منها الوجوب فهو المطلوب ، وإلاّ فيلزم الخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه على تقدير كونها حقيقة في غير الوجوب فقط ، أو تأخير البيان عن وقت الحاجة على تقدير اشتراكها بين الوجوب وغيره.
واعترض عليه بوجوه :
__________________
(١) الأعراف : ١٢.