القول بعدم دلالة الأمر على النهي المقتضي للفساد.
هذه مناقشة في هذا القول بالنسبة إلى دعوى كونه مغايرا للقولين الآخرين ، وعلى فرض تسليم مغايرته لهما فلابدّ من النظر في دليله إستعلاما لصحّته أو سقمه.
فنقول : إنّ البهائي رحمهالله لم يأت عليه بدليل في كلامه متنا وحاشية غير أنّ وجهه واضح من حيث إنّ الّذي أوقعه على إحداث القول بذلك هو أنّه لولاه لزم الأمر بالمتضادّين في زمان واحد ، المفضي إلى التكليف بالمحال الّذي هو محال بالضرورة من العقل والشرع.
فلذا ترى أنّ الجماعة لم يذكروا له إلاّ ذلك الوجه بتقارير متقاربة ، وأجود تلك التقارير ما في كلام السيّد الخراساني في شرحه للزبدة حيث علّل العبارة المتقدّمة بقوله : « لإمكان أن يقال : لو لم يستلزم الأمر بالشيء عدم الأمر بضدّه لكان مستلزما للأمر به لعدم الواسطة ، وحينئذ لزم التكليف بالمحال وهو الإتيان بالضدّين في زمان واحد » انتهى.
وأنت بالتأمّل فيما قرّرناه سابقا في غير موضع تعرف بكون ذلك فاسد الوضع ، وتفصيل ذلك : أنّ الأمر حسبما هو مأخوذ في عنوان المسألة ـ على ما تقدّم ـ من الصفات القائمة بنفس الآمر ، وهو على ما يساعده الوجدان مسبوق بتصوّر محلّه بجميع مشخّصاته من زمان ومكان وغيرهما من الصفات الراجعة إلى المأمور والمأمور به كمّا وكيفا.
ولا ريب أنّ الزمان الّذي هو من جملة المشخّصات قد يتصوّره الآمر حسبما يقتضيه مصلحة المحلّ على وجه لا يسع إلاّ أداءه فيصير الأمر بهذا الاعتبار مضيّقا ، وقد يتصوّره على حسب المصلحة على وجه يزيد على أدائه بحيث يتجزّى في حدّ ذاته بأجزاء يصلح كلّ جزء منها لأدائه فيه فيصير الأمر بهذا الاعتبار موسّعا ، ومن خواصّ الموسّع أنّ المحلّ إذا لوحظ بالقياس إلى كلّ جزء من أجزاء الوقت المضروب له كان كلّيّا ، له بالقياس إلى أجزاء ذلك الوقت أفراد متكثّرة فرضيّة حسب تكثّر تلك الأجزاء ، بحيث لم يكن شيء من تلك الأفراد ملحوظا في نظر الآمر ولا متعلّقا للأمر بالخصوص ، بل الملحوظ في نظره ومتعلّق أمره إنّما هو الكلّي الصالح لتلك الأفراد ، ولمّا كان من تلك الأفراد ممّا ينطبق عليه الكلّي الملحوظ عنوانا للأمر ولم يكن شيء منها متعيّنا في نظر الآمر بالخصوص فللمكلّف في حكم العقل أن يختار الامتثال بذلك الكلّي بأداء كلّ منها شاء وأراد ، فله اختيار ما يتشخّص منها بالجزء الأوّل من أجزاء الوقت ، وله اختيار ما يتشخّص بالجزء الثاني وهكذا إلى آخر الأجزاء الّذي يتضيّق منه الفعل ، وهذا هو التخيير الّذي يحكم به