وإذا حرمت الهديّة حرم الجعل والإجارة بطريق أولى.
وكذا الشهيد في «اللمعة» تعرّض لحكم الجعل والإجارة دون الرشوة حيث قال : (ولا يجوز الجعل والاجرة من الخصوم).
وفي «الشرح» : (ولا من غيرهم لأنّه في معنى الرشا) (١).
فلم يتعرّض لحكم الرشوة ، لكونه من الواضحات ، فلم يحتج إلى البيان ، وإنّما المحتاج إلى البيان حكم الجعل والإجارة ، لوقوع الخلاف فيهما ، كما عرفت.
والسرّ في عموم التحريم هنا أنّ القضاء والحكم وظيفة إلهيّة أوجبه الشارع عينا أو كفاية ، لا يصحّ أخذ الاجرة عليه ، لا لمجرّد الوجوب ـ لما سيجيء من عدم منع ذلك من جواز أخذ الاجرة ـ بل لكونه وظيفة إلهيّة يجب عليه تعالى إيصاله إلى عباده ، فالنفع واصل من الله تعالى إلى خلقه ، والعمل موهوب منه تعالى إليهم ، فلا يجوز أخذ العوض لمثل هذا العمل.
هذا ؛ مع أنّ معرفة الحقّ إنّما يكون مع خلوّ الشخص عن الميل إلى أحد الجانبين.
ثمّ إنّ ما ذكر إنّما هو بالنسبة إلى الحاكم المنصوب ، وأمّا بالنسبة إلى الجائر ، فلعدم مشروعيّة عمله ، وعدم ماليّته.
نعم ؛ يجوز أخذ الاجرة لتحصيل الحقّ بعدم حكم الحاكم المنصوب إذا توقّف على عمل له اجرة في العادة.
ثمّ الفرق بين الهديّة والرشوة ـ على ما ذكرنا ، مع كونهما معا مدفوعين ، لا
__________________
(١) الروضة البهيّة : ٣ / ٧١.