فقوله رحمهالله بعد ذلك : (فالأجير إنّما يجعل نفسه لأجل استحقاق الاجرة نائبا عن الغير في إتيان العمل الفلاني تقرّبا إلى الله) (١) إن اريد به شيئا آخر زيادة على ما ذكرناه من صرف العمل إليه بقصد امتثال أمره ، فلا وجه ولا دليل عليه ، لأنّه لم يدلّ في شيء من أخبار النيابة على وجوب أمر زائد على قصد امتثال أمر المنوب عنه ، عن تنزيل نفسه بمنزلة المنوب عنه أوّلا ثمّ قصد امتثال آمره ، بل لم يجب عليه إلّا قصد امتثال أمره وصرف عمله إليه.
وإنّما يتحقّق ذلك بمجرّد هذا القصد من غير حاجة إلى قصد التنزيل والنيابة زيادة على ذلك ، فإنّها حاصلة بكون الأمر المقصود امتثاله متوجّها إلى المنوب عنه ، فالنيابة من العناوين الطارئة الحاصلة بعد قصد الامتثال ، لا من الامور الواجبة قصدها قبل قصد الامتثال.
فالعمل المقصود به امتثال أمر الغير من جهة كون ذلك الأمر أمرا لغيره يتّصف العمل بكونه عبادة مقصودا به القربة أي امتثال أمر الشارع.
وإن اريد به ما ذكرناه من صرف العمل إليه بقصد امتثال أمره فمرجأ بالوفاق.
وإن فسّرنا القربة المعتبرة في العبادات بأمر زائد على ذلك فهو كون الداعي على الامتثال استحقاقه تعالى للعبادة أو خوف العقاب ، أو رجاء الثواب اشكل الأمر في ذلك ، لأنّ الداعي على هذا القصد ـ أي قصد امتثال أمر الغير ـ ليس إلّا قصد الاجرة واستحقاقها من المستأجر.
فلا يتمّ بهذا التوجيه تحقيق حصول قصد القربة ، ولا امتياز في الخارج بين
__________________
(١) المكاسب : ٢ / ١٢٨.