التعاطي ، لا الأوّل ، لأنّ مقصدهم إنّما هو التعرّض لحكم ما هو المتعارف والمتداول بين الناس ، وهو ليس إلّا ذلك قطعا ، كما لا يخفى.
مضافا إلى صراحة كلمات جملة منهم.
منها : قوله في «المبسوط» في المعاطاة (١) : (قال أبو حنيفة : يكون بيعا صحيحا ، وإن لم يحصل الإيجاب والقبول) (٢).
ومنها : قوله في «السرائر» بعد ذكر اعتبار الإيجاب والقبول مفرعا عليه : (فإذا دفع قطعة إلى البقلي أو إلى الشارب فقال : أعطني ، فإنّه لا يكون بيعا ولا عقدا ، لأنّ الإيجاب ما حصلا (٣) ، والإيجاب والقبول أعم من اللفظي والفعلي).
وليس المراد بهما اللفظين بالخصوص ، وإلّا لم يكن وجه لقوله : (فإنّه لا يكون بيعا) ، بل كان ينبغي أن يقول : فيكون بيعا فاسدا ، لفقدان شرط الصحّة ، لا نفي البيعيّة من أصله.
وليس ذلك إلّا من جهة أنّ مرادهم أنّ البيع من مقولة الإنشاء ، وإنشاءه مركّب من الإيجاب والقبول ، فيمتنع تحقّقه بدون الإنشاء في قبال العامّة حيث ذهبوا إلى تحقّقه بالتعاطي بدون الإنشاء (٤).
فالنزاع مع العامّة في تحقّق البيع وعدمه ، لا في أنّ هذا القسم من البيع الفعلي هل يفيد الملك اللازم ، أو الجائز ، أو يفيد الإباحة؟
وإن قصد الملك فإنّه لا وجه لشيء من ذلك ، لأنّه إن كان بيعا فهو إمّا فاسد
__________________
(١) المبسوط : ٢ / ٨٧.
(٢) نقل عنه في الخلاف : ٣ / ٤١ المسألة ٥٩ ، وانظر! المجموع : ٩ / ١٦٢ و ١٦٣ ، فتح العزيز : ٨ / ١٠١.
(٣) السرائر : ٢ / ٢٥٠.
(٤) انظر! الفتاوى الهندية : ٣ / ٢.