ويشهد بذلك مراجعة العرف ، وقد حكم الشارع على طبقه أيضا ، كما في البعير الملتقط في غير كلأ وماء الّتي تركها صاحبها أنّه يملكه الملتقط ، وفيما يخرج بالغوص من المال الّذي غرق في البحر أنّه يملكه المخرج ، وظاهر أنّ ذلك إنّما هو من جهة كون الإعراض مخرجا واليد مملكا.
ولذا لم يخالف أحد في خصوص التملّك باليد فيما يتساقط من الزرع من الحبّات ، وفيما يلتقط في البرّ من القشور وأرواث الدواب ، ولم يحصل وسوسة لأحد في ترتيب آثار الملكيّة على هذه الملتقطات ، ولا ينطبق هذه الأحكام في أمثال هذه الفروع إلّا على كون الإعراض مخرجا عن الملك ، واليد مدخلا له فيه.
ولذا فصّلوا في تراب الصياغة بين علم الصائغ بإعراض صاحبه ، فيجوز حينئذ للصائغ تملّكه ، وعدمه فلا يجوز.
وما ذكرناه واضح على المتتبّع في كلمات الفقهاء ، بل يمكن أن يدّعى أنّ ذلك من الضروريّات عندهم.
ولذا تراهم اتّفقوا على الحكم بالإباحة المراد بها الملك هنا كإباحة المتاجر والمساكن والمناكح في الخمس ، مع اتّفاقهم على التمثيل بدفع القطعة إلى البقلي أو الشارب الّتي لا يتصوّر فيها الانتفاع إلّا بالمبادلة ، ومع ذلك لم يتعرّض أحد منهم لمدرك الحكم بالإباحة ، وليس ذلك ، إلّا لمعلوميّة كون اليد من الأسباب المملّكة بحيث لا يحتاج إلى التعرّض لبيانه.
وإن كانت اليد تابعة كان تملّك الثاني متفرّعا على تملّك الأوّل ، والأوّل بسلطنته على التسليط سلّط الغير على ماله ، ولذا لا تنقطع علقته عن المال بالمرّة سواء حصل تملّك الثاني بالإنشاء أو بنفس اليد ، فيبقى له علقة ضعيفة في الغاية ،