قال : إذاً تكثر البارقة حول دارك (١). وهو يظنّ أنّ عشيرته يسمعونه.
فقال : والهفاه عليك! أبالبارقة تخوّفني؟! أدنوه منّي ، فأُدني فاستعرض وجهه بالقضيب فلمْ يزل يضرب أنفه وجبينه وخدّه حتّى كسر أنفه وسيّل الدماء على ثيابه ، ونثر لحم خدّيه وجبينه على لحيته حتّى كسر القضيب.
وضرب هانئ بيده إلى قائم سيف شرطيّ من تلك الرجال وجاذبه الرجل ومنع.
فقال عبيد الله [بن زياد] أحروريّ سائر اليوم (٢)! أحللت بنفسك قد حلّ لنا قتلك ، خذوه فألقوة في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه واجعلوا عليه حرساً ، ففعل ذلك به.
فقام إليه أسماء بن خارجة ، فقال : أرُسُل غدر سائر اليوم! أمرتنا أنْ نحيئك بالرجل حتّى إذا جئناك به وأدخلناه عليك هشّمت وجهه وسيّلت دمه على لحيته ، وزعمت أنّك تقتله؟ فقال له عبيد الله : وإنّك لها هنا ، فأمر به فلُهز وتُعتع به (٣) فحُبس.
_________________
(١) وروى الطبري ، عن عيسى بن يزيد الكناني : أنّ ابن زياد قال له : يا هانئ ، أمَا تعلم أنّ أبي قدم هذا البلد ، فلمْ يترك أحداً من هذه الشيعة إلاّ قتله غير أبيك وغير حجر ، وكان من حجر ما قد علمت؟ ثمّ لمْ يزل يحسن صحبتك ، ثمّ كتب إلى أمير الكوفة إنّ حاجتي قبلك هانئ؟ قال : نعم. قال : فكان جزائي أنْ خبّأت في بيتك رجلاً ليقتلني! قال : ما فعلت.
فأخرج التميمي [أي : مولاهم] الذي كان عيناً عليهم ، فلمّا رآه هانئ علم أنْ قد أخبره الخبر ، فقال : أيها الأمير ، قد كان الذي بلغك ولن أضيّع يدك عنّي ، فأنت آمن وأهلك فسر حيث شئت!
وكان مهران ـ مولاه ـ قائماً على رأسه في يده معكزة ، فقال : وا ذُلاّه! هذا العبد الحائك يؤمّنّك في سلطانك! وطرح إليه المعكزة ، وقال : خذه. وأخذ بضفيرتي هانئ وأخذ عبيد الله المعكزة ، فضرب بها وجه هانئ حتّى كسّر أنفه وجبينه ، وندر الزّج فارتزّ في الجدار ٥ / ٣٦١.
(٢) نسبة إلى : حروراء من نواحي الكوفة ، وهو أوّل موضع خرج فيه الخوارج على علي (عليه السّلام).
(٣) التعتعة : الحركة العنيفة. واللهز : الضرب في اللهازم ، أي : مجامع ثيابه فوق صدره إلى عنقه.