فسكت ، ثمّ عادت فقال مثل ذلك فسكت ، ثمّ قالت له : فيّ الله (١) سبحان الله! ياعبد الله ، فمرّ إلى أهلك عافاك الله ؛ فإنّه لا يصلح لك الجلوس على بابي ، ولا أحلّه لك.
فقام ، فقال : يا أمَة الله ، مالي في المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك إلى أجر ومعروف ، ولعلّي مكافؤك به بعد اليوم؟
فقالت : يا عبد الله وما ذاك؟
قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذبني هؤلاء القوم وغرّوني.
قالت : أنت مسلم!
قال : نعم.
قالت : ادخل ، فأدخلته بيتاً في دارها غير البيت الذي تكون فيه وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء فلمْ يتعشَّ.
ولمْ يكن بأسرع من أنْ جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه ، فقال : والله ، إنّه ليُريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ اللّيلة وخروجك منه! إنّ لك لشأناً؟ قالت : يا بني ، ألْهُ عنه هذا. قال : لها والله ، لتخبرنّي؟ قالت : أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء. فألحّ عليها ، فقالت : يا بنيّ ، لا تحدّثنّ أحداً من النّاس بما أخبرك به ، وأخذت عليه الإيمان ، فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت (٢).
_________________
(١) يقال : فيّ الله ، أي : اتّق فيّ الله.
(٢) قال أبو مِخْنف : فحدّثني المجالد بن سعيد ٥ / ٣٧١ ، وفي : الإرشاد / ٢١٢ ، والخوارزمي / ٢٠٨.
وروى الطبري ، عن عمار الدهني ، عن الإمام الباقر (عليه السّلام) أنّه قال : «فلمّا رأى مسلم أنّه قد بقي وحده يتردّد في الطرق ، أتى باباً فنزل عليه فخرجت إليه امرأة ، فقال لها : استقيني. فسقته ، ثمّ دخلت فمكثت ما شاء الله ، ثمّ خرجت فإذا هو على الباب ، قالت : يا عبد الله ، إنّ مجلسك مجلس ريبة ، فقم. قال : إنّي أنا مسلم بن عقيل ، فهل عندك مأوى؟ قالت : نعم ، ادخل.