بنيّ ، إنّي قد كفيتك الرحلة والترحال ووطّأت لك الأشياء ، وذلّلت لك الأعداء وأخضعت لك أعناق العرب ، وجمعت لك من جمع واحد (١) ، وإنّي لا أتخوّف أنْ ينازعنّك هذا الأمر الذي استتبّ لك ، إلا أربعة نفر من قريش : الحسين بن عليّ (٢) ،
_________________
(١) وكان ذلك خلال عشرة أعوام ، إبتداءً من سنة خمسين إلى هلاكه سنه ستّين.
وقد ذكر الطبري السّبب في ذلك ٥ / ٣٠١ : إنّ المغيرة بن شعبة قدم على معاوية من الكوفة سنة (٤٩ هـ) ، فراراً من الطاعون بها ، وكان واليه عليها من عام الجماعة سنة (٤١ هـ) ، يشكو إليه الضعف ويستعفيه فأعفاه معاوية ، وأراد أنْ يولّيها سعيد بن العاص فغار المغيرة من ذلك ، فدخل على يزيد وعرض له البيعة بولاية العهد ، فأدّى ذلك يزيد إلى أبيه فردّ معاوية المغيرة إلى الكوفة وأمره أنْ يعمل في بيعة يزيد ، فرجع المغيرة إلى الكوفة وعمل في بيعة يزيد ، وأوفد في ذلك وفداً إلى معاوية.
كتب معاوية إلى زياد بن سميّة ، وهو يوم إذ ذاك واليه على البصرة منذ سنة (٤٥ هـ) بعنوان : أنّه يستشيره في الأمر ، فبعث زياد بعبيد بن كعب النّميري الأزدي إلى يزيد ؛ ليبلّغه : أنّه يرى له أنْ يترك ما ينقم عليه ؛ ليسهل على الولاة الدعوة إليه ... ثمّ مات زياد بالكوفة في شهر رمضان سنة (٥٣ هـ) ، وهو والٍ على العراقين. واعتمر معاوية في رجب من سنة (٥٦ هـ) ، فأعلن للنّاس ولاية عهد يزيد ودعا النّاس إلى بيعته ، فدخل عليه سعيد بن عثمان بن عفّان واستنكر عليه ذلك ، فشفع له يزيد أنْ يولّيه خراسان فولاّه إيّاه. ودخل عليه مروان فاستنكر منه ذلك ، وكان واليه على المدينة منذ سنة (٥٤ هـ) ، فوجد عليه معاوية حتّى عزله عن المدينة سنة (٥٧ هـ) ، كما في الطبري ٥ / ٣٠٩. وقد فصّل المسعودي استنكار مروان في كتابه ٣ / ٣٨ :
وفي سنة (٦٠ هـ) بعث عبيد الله بن زياد ، وكان واليه على البصرة منذ سنة (٥٥ هـ) وفداً إلى معاوية ، فأخذ منهم معاوية البيعة على عهد يزيد ٥ / ٣٢٢.
(٢) ولد (عليه السّلام) لليالٍ خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، كما في الطبري ٣ / ٥٥٥. فعاش مع جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ست سنين ، ثمّ مع أبيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) ثلاثين سنة. وفي سنة ثلاثين خرج مع أخيه الحسن وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن العبّاس وناس من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقيادة سعيد بن العاص ؛ لغزو خراسان على عهد عثمان ٤ / ٢٦٩.
وعاش مع أخيه الحسن (عليه السّلام) عشر سنين ، وكانت مدّة إمامته بعد أخيه الحسن (عليه السّلام) أيضاً ، عشر سنين عاصر فيها معاوية بن أبي سفيان حتّى هلك ، واستشهد في كربلاء المقدّسة يوم الجمعة العاشر من المحرّم سنة (٦١ هـ) ؛ فيكون عمره الشريف يوم قتله : ستّاً وخمسين سنة وستّة أشهر.