ومنه قولهم : (ما كلّ سوداء تمرة ، ولا بيضاء شحمة) ، حيث (بيضاء) مجرورة ؛ لأنها مضاف إلى محذوف معطوف على (كل) ، والتقدير : ولا كل بيضاء ... ، وذلك التقدير حتى لا يلزم العطف على معمولى عاملين مختلفين ،
فسوداء معمول كل بالإضافة ، وتمرة معمول ما ، فلو كان العطف لعطف بيضاء على سوداء ، وشحمة على تمرة ، وهذا يكون عطفا على معمولى عاملين مختلفين ، وهو غير جائز عند الجمهور ، وإن كان يصح عند بعضهم مثل ، ما حكاه الفارسى وابن الحاجب عن الفراء ، ومنعه الجمهور مطلقا.
ويجعل بعضهم منه قوله ـ تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة : ٣٥].
حيث يكون من عطف الجمل ، والتقدير : ولتسكن زوجك الجنة ، فحذف المعطوف (لتسكن) ، وأبقى المعمول المرفوع (زوجك) ، والمعمول المنصوب (الجنة) ؛ وهذا لأنه من حق المعطوف.
حلوله محلّ المعطوف عليه ، ولا يصحّ أن يقال : اسكن زوجك الجنة ، فكان على هذا الرأى تقدير محذوف ومعطوف على (اسكن) ، وهو (لتسكن). والذين أجازوا العطف على الضمير فى مثل هذا الموضع ـ وهو جمهور النحاة ـ عللوا لرأيهم بأنه يغتفر فى الثوانى ما لا يغتفر فى الأوائل ، وربّ شىء يصح تبعا ولا يصح استقلالا (١).
ومثله ما ذكرناه فى ما سبق من قوله تعالى : (لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً) [طه : ٥٨] والتقدير : ولا تخلفه. فحذف المعطوف ، وبقى معموله.
ومنه قول الراعى النميرى :
إذا ما الغانيات برزن يوما |
|
وزجّجن الحواجب والعيونا (٢) |
أى : وكحّلن العيونا ، إذ يجمعهما معنى التزيين والتحسين. و (العيون) مفعول به لفعل محذوف معطوف على (زجج).
__________________
(١) ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ١٥٤.
(٢) ينظر : شرح ابن الناظم / ٥٥٠ المساعد ٢ ـ ٤٤٥ / شذور الذهب ٢٤٢ / ضياء السالك رقم ٢٥٩ / الدرر ، رقم ٨٨٠ ، ١٥٩٣.