على زمن ينقضي بالهم والحزن ، قال : وإن شئت قلت : إنه محمول على المعنى كما حملت «أقلّ امرأة تقول ذلك» على المعنى ، فلم تذكر في اللفظ خبرا لأقلّ مع أنه مبتدأ ، وقد أضفت أقل إلى امرأة ووصفت المرأة ب تقول ، ذاك كأنك قلت : قلّ امرأة تقول ذلك ، فلم تحتج «أقل» إلى خبر لأنها في معنى «أقلّ» ، وكذلك حمل سيبويه على المعنى قول من قال : «خطيئة يوم لا أراك فيه» (١) على معنى : يوم خطأ لا أراك فيه ، وما حمل على المعنى كثير في القرآن وفصيح الكلام. انتهى كلام أبي الفتح رحمه الله.
وقال ابن الحاجب في إعرابه : لا يصحّ أن يكون عامل لفظيّ هنا يعمل في غير ، وإذا لم يكن عامل لفظي فإمّا أن يكون مبتدأ وإمّا أن يكون خبرا ، فلا يصحّ أن يكون مبتدأ لأنه لا خبر له ، لأنّ الخبر إمّا أن يكون ثابتا أو محذوفا ، الثابت لا يستقيم لأنّه إمّا «على زمن» وإمّا «ينقضي» ، وكلاهما مفسد للمعنى ، وأيضا فإنك إذا جعلته مبتدأ لم يكن بدّ من أن تقدر قبله موصوفا ، وإذا قدرت قبله موصوفا لم يكن بدّ من أن يكون «غير» له ، و «غير» هاهنا ليست له وإنما هي لزمن ، ألا ترى أنّك لو قلت : «رجل غيرك مرّ بي» لكان في غيرك ضمير عائد على رجل ، ولو قلت : «رجل غير متأسف على امرأة مرّ بي» لم يستقم لأن غيرا لمّا جعلته في المعنى للمرأة خرج عن أن يكون صفة لما قبله ، ولو قلت : «رجل غير متأسّف عليه مرّ بي» جاز لأنّه في المعنى للضمير ، والضمير عائد على المبتدأ فاستقام ، فتبين أيضا أنّه لا يكون مبتدأ لذلك. وإن جعلت الخبر محذوفا لا يستقيم لأمرين :
أحدهما : أنّا قاطعون بنفي الاحتياج إليه.
والآخر : أنّه لا قرينة تشعر بحذفه ، ومن شرط صحة حذف وجود القرينة ، وإن جعلته خبر مبتدأ مقدّر لم يستقم لأمور : منها : أنك إذا جعلته خبرا لم يكن بدّ من ضمير يعود منه إلى المبتدأ ، لأنه في معنى مغاير ، ولا ضمير فلا يصحّ أن يكون خبرا.
الثاني : أنّا قاطعون بنفي الاحتياج إليه.
الثالث : أن حذف المبتدأ مشروط بالقرينة ، ولا قرينة ، فتبين إشكال إعرابه كذلك.
وأولى ما يقال فيه أنه أوقع المظهر موقع المضمر لمّا حذف المبتدأ من أول الكلام ، فكأنّ التقدير : زمن ينقضي بالهمّ والحزن غير مأسوف عليه ، فلمّا حذف
__________________
(١) انظر الكتاب (١ / ١٣٧).