اختلف الرواة في رواية هذا البيت ، فرواه البصريون هكذا ، ورواه الكوفيون : الشمس كاسفة ليست بطالعة ، ورواه بعض الرواة : (تبكي عليك نجوم الليل والقمرا) برفع نجوم ونصب القمر ، ورواه بعضهم بنصبهما معا ، وقد اختلف أصحاب المعاني وأهل العلم من الرواة ، وذوو المعرفة من النحاة في تفسير وجوه هذه الروايات وكتابتها في العربية ، فأما من روى : الشمس طالعة ليست بكاسفة فإنّه ينصب نجوم الليل بكاسفة ويعطف القمر عليها ، وتبكي يحتمل أن يكون في موضع رفع على أنّه خبر بعد خبر ، ويحتمل أن يكون في موضع نصب على الحال إمّا من الشمس وإمّا من اسم ليس ، ونصب نجوم الليل بكاسفة أشهر الجوابات وأعرفها وأقربها مأخذا ، والمعنى أن الشمس لم تقو على كسف النجوم والقمر لإظلامها وكسوفها بسبب هذا المصاب العظيم ، وقيل : نجوم الليل والقمر منصوبان بتبكي نصب الظرف ، أي : تبكي عليك مدّة نجوم الليل والقمر ، كما قالوا : «لا أكلمك سعد العشيرة» و «لا أكلّمك هبيرة بن سعد» و «القارظين» ونحو ذلك ، وهذا الإعراب موافق لرواية الكوفيين : الشمس كاسفة ليست بطالعة ، وقيل : إنّ نجوم الليل والقمر منصوبان بتبكي نصب المفعول به ، ومعنى تبكي تغلب في البكاء فهو من باب المغالبة الآتي على فاعلته ففعلته أفعلة بضم العين إلّا في باب وعدت وبعت ورميت ، فإنه يجيء على أفعلة بكسر العين ، قالوا : وعلى هذا فيحتمل أن يراد بالنجوم والقمر السادات والأماثل كما قال النابغة : [الطويل]
٥٠٢ ـ فإنّك شمس والملوك كواكب |
|
إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب |
وأما من رفع نجوم الليل ونصب القمر فإنّ ذلك من باب المفعول معه ، نحو : استوى الماء والخشبة ، وهذا الإعراب أيضا موافق رواية الكوفيين ، وذكر أبو نصر الحسن بن أسد الفارقي في رواية من نصب نجوم الليل والقمر أن المعنى : تبكي عليك ونجوم الليل والقمر ، أي : تبكي الشمس عليك مع نجوم الليل والقمر فحذف الواو وهو يريدها ، وهو أغرب الوجوه المقولة في هذا البيت.
وأمّا رواية الكوفيين : الشمس كاسفة ليست بطالعة ، فإنه استعظم أن تطلع الشمس ولا تكسف لمثل هذا المصاب العظيم ، كما قالت الخارجية : [الطويل]
__________________
٥٠٢ ـ الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ٧٨) ، والكامل (٣ / ٣٣) ، وأمالي المرتضى (١ / ٤٨٧) ، ومعاهد التنصيص (١ / ٣٥٩).