مجنون» داخل في حيّز الأوصاف التي لا تكون أعمالا وإنما تكون خصالا في الموصوفين بغير اختيارهم؟ مثل كرم فهو كريم ولؤم فهو لئيم ، خصال لا يفعلها الموصوف ، فهكذا جنّ زيد فهو مجنون ، إنّما هي خصلة في الموصوف لا اختيار له فيها ، فأجرى مجرى رقع فهو رقيع وبلد فهو بليد إذ كان داخلا في معناه ، والدليل على صحة هذا أنّ العرب لا تتعجب من افعلّ ، ولا يقولون : ما أحمره ولا ما أسوده ولا أفطسه ، ويتعجبون من أحمق وأرعن وألدّ وأنوك ، فيقولون : ما أحمقه وما أرعنه وما ألدّه وما أنوكه ، لأنّ أحمق بمنزلة بليد ، وألدّ بمنزلة مرس وأنوك بمنزلة جاهل ، فحملوه على المعنى ، فهكذا جنّ زيد حمل على المعنى ، لأن العرب تشبه الشيء بالشيء ، وتحمل على المعنى إذا وافقه واقترب منه ، فمن ذلك قولهم : حاكم زيد عمر برفع الاثنين جميعا لأنّ كل واحد منهما فاعل ، قال أوس : [الطويل]
٥١٥ ـ تواهق رجلاها يداه ورأسه |
|
لها قتب خلف الحقيبة رادف |
وقال القطاميّ : [الوافر]
٥١٦ ـ فكرّت تبتغيه فوافقته |
|
على دمه ومصرعه السّباعا |
لأنّ السّباع قد دخلت في المصادفة ، وقال : [الخفيف]
٥١٧ ـ لن تراها ولو تأمّلت إلّا |
|
ولها في مفارق الرّأس طيبا |
لأنّ الطّيب قد دخل في الرؤية.
قال السخاوي : إنما قالوا : ما أجنّه لأن جنّ لا فاعل له ، فهو في المعنى تعجّب من الفاعل ، لأنّه لا يقال : جنّه إنما يقال : أجنّه.
قال محمد بن بدر : فإن قال : فقد قالوا : ما أسرّني بكذا وكذا ، وهذا دليل على أنّه يجوز أن يتعجّب من «ضرب زيد» ، قيل له : ليس في هذا دليل يدل على جواز التعجب من ضرب زيد ، لأنه يجوز أن يكون «ما أسرّني» تعجبا من سررت ، ويكون محمولا على ما قدّمنا ذكره في «جنّ زيد» ، فيكون بمنزلة «برّ حجّك فهو مبرور» ، قال : ويجوز أن يكون «ما أسرّني بكذا» تعجبا من سارّ كما يقال : زيد سارّ أي :
__________________
٥١٥ ـ الشاهد لأوس بن حجر في ديوانه (ص ٧٣) ، والكتاب (٣٤٥١) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٤٨٣) ، وسمط اللآلي (ص ٧٠٠) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٢٧٣) ، ولسان العرب (وهق) ، وبلا نسبة في الخصائص (٢ / ٤٢٥) ، والمقتضب (٣ / ٢٨٥).
٥١٦ ـ الشاهد للقطامي في ديوانه (ص ٤١) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٣٣٠) ، والمحتسب (١ / ٢١٠) ، ونوادر أبي زيد (ص ٢٠٤) ، وبلا نسبة في الخصائص (٢ / ٢٦).
٥١٧ ـ الشاهد لعبيد الله بن قيس الرقيات في ملحق ديوانه (ص ١٧٦) ، وبلا نسبة في الخصائص (٢ / ٤٢٩) ، وشرح المفصّل (١ / ١٢٥) ، والمقتضب (٣ / ٢٨٤).