من المعنى ما ما أرادوا باحولّ ، فأجروه مجراه لا أن أصل فعل افعلّ ولا افعالّ ، ألا ترى أنهم قالوا : احتال واعتاد واقتاد بالإعلال ، وإنما أصحوه حين أرادوا معنى ما يصح ، فقالوا : اجتوروا واعتونوا واحتوشوا ، لأنّهم أرادوا معنى تجاوروا وتعاونوا وتحاوشوا ، لا أن أحدهما أصل الآخر ، فهكذا عور وحول ، يدل على هذا أنّهم إذا أرادوا غير هذا المعنى أعلّوه فقالوا : عار زيد عين عمر وسادها ، قال : وأما قوله : «فتقلب الواو لحركتها وحركة ما قبلها» فيلزمه أن يقول في أدلو : أدلا لحركتها وحركة ما قبلها ، والوجه لحركتها وانفتاح ما قبلها ، قال : وأما قول الأخفش فإنما أراد به أنّ افعلّ وافعالّ الأصل في الاستثقال لا أنّ حول مأخوذ منهما ، وهذا قول سيبويه (١) : استغنوا عن حمر باحمرّ كما استغنوا عن فقر بافتقر ، والمستغنى به هو الفرع والمستغنى عنه هو الأصل.
قال السخاوي : قوله : إنّ الأخفش أراد أنّهما الأصل في الاستثقال ، فأيّ استثقال في عور وحول؟ وليس ما قال سيبويه في حمر واحمرّ ، ثم استدرك خطأه فقال : على أنّ افعلّ وافعالّ مطّردان في الألوان ، نحو اسودّ واسوادّ وابيضّ وابياضّ واصفرّ واصفارّ ، إلا أنّ افعلّ أكثر لأنّه الأصل في الاستثقال ، قال : وأمّا حول وعور فمن باب الأدواء لأنّهما عيبان والعيب أشبه بالأدواء ، وليس افعلّ وافعالّ في باب الأدواء كثيرا لا يكادون يقولون في اجربّ : اجرابّ ولا في اجذمّ اجذامّ ، وإنما يجرونه مجرى الداء ، نحو : جرب وضلع وشتر ، وهو أدخل في الداء منه في الألوان ، إلّا أنّهم يشبهون الشيء بالشيء إذا قاربه ، فيقولون : حول وعور وجرب كما قالوا : وجع وضمن وزمن ، ولا تكاد تجد في الألوان اسما على فعل ، فلا يقولون : حمر ولا صفر ولا شهب ، قال : فهذا يقويّ أنّ العيوب مخالفة للألوان التي لا يمتنع فيها افعلّ وافعالّ ، وافعالّ لا يمنع من الألوان لأنه مبنيّ له ، وأمّا العيوب فأقرب إلى الأدواء ، هكذا ذكر سيبويه.
قال محمد بن بدر : إنما لم يتعجبوا من «ضرب زيد» وأشباهه إلّا بالزيادة كراهة أن يلتبس ، ففرّقوا بين التعجب من فعل الفاعل والمفعول ، وذلك أنّهم فرّقوا بين فعل الفاعل وفعل المفعول في غير التعجب ، فأرادوا أن يفرّقوا بينهما أيضا في التعجب ، فلو قالوا في : «ضرب زيد» : ما أضرب زيدا لالتبس فعل الفاعل بفعل المفعول ، فأتوا بالزيادة ليصلوا إلى الفرق بينهما ، فإن قال : فقد قالت العرب في «جنّ زيد» : ما أجنّه ، وهذا يبطل علتك ، قيل له : إن قولهم : ما أجنّه محمول على المعنى ، فاستجازوا فيه ما استجازوا فيما حمل عليه ، ألا ترى أنّ «جنّ زيد فهو
__________________
(١) انظر الكتاب (٤ / ١٤).