(إدا) لأن العرب لم تبن منه فعلا» الذي عليه عامة أهل العلم ، لأنّ الإدّ وصف غير جار على فعل ، وإنما هو موضوع في كلام العرب للأمر العظيم ، فحكمه حكم الأسماء التي جاءت غير جارية على فعل ، وإذا كان هكذا لم يجز أن يبنى منه فعل من حيث إنّ الأسماء ليست مأخوذة من الأفعال وإنما الأفعال تصدر عنها ، ولو كانت الأسماء كلها مشتقة لارتفع أن يكون في الكلام اسم البتة ، والدليل على هذا أنّه ليس أحد من العرب ولا من العلماء يجيز أن يأمر من صاع وفرس ولا من جعفر وحبرج (١) وضفدع ، ولا من الأوصاف التي ليست بجارية على فعل ، نحو خود وبكر ولصّ وسلهب وعرطل وجعشم (٢) لأنّ هذه الأسماء غير جارية على فعلها ، يدل على أنّ من الأوصاف ما لا يجوز أن يبنى له فعل متصرف في الأمر والدعاء والخبر وغير ذلك الأسماء المبنية للمبالغة ، نحو : أكال وأكول ، لا يجوز أن يصرّف منها فعل لأنّ هذه الأبنية وإن كانت تعمل عمل الأفعال فهي غير جارية على الفعل ، وإذا كان ما يعمل عمل الفعل لا يجوز أن يصرّف له فعل فما لا يعمل عمل الفعل أولى أن لا يصرّف له فعل ، هذا قول أهل التحصيل من أهل صناعة النحو ، ولا يقال : أدّ يؤدّ فهو إدّ ، إنما يقال : أدّ يؤدّ أدّا فهو آدّ ، وليس الإدّ هو الآدّ ، لأن الآدّ جار على الفعل ، والإدّ وصف غير جار على فعل ، وقول أبي جعفر : «قد صرّفه النحويون» تقوّل منه ، والذين يقولون : أدّ يؤدّ فهو آدّ إذا ألقاه في الإدّ فهو بمنزلة لحمه يلحمه فهو لاحم إذا أطعمه اللحم ، فلو قيل لنا : كيف تأمرون من اللحم لقلنا : لا يجوز ، لأنّ اللحم اسم غير مشتق من فعل ، ولا هو وصف جار على فعل ، ولا تكلّم من لفظه بفعل ، فيكون هو اسما لذلك الفعل ، وكذلك شحمه وزبده إذا أطعمه الشحم والزّبد ، وقولك : أدّه بمنزلة قولك : زبده ، وقولك : يؤدّه بمنزلة قولك : يزبده ، وقولك آد كقولك : زابد ، والإدّ الذي هو الأمر العظيم بمنزلة الزّبد الذي هو اللبن ، فكما لا يجوز أن تأمر من الزّبد كذلك لا يجوز أن تأمر من الإدّ ، ولا تصرّف له فعلا يكون هو اسما له ، هذا هو الذي عليه أهل العلم باللغة ، ومعنى قولهم : كيف يؤمر من الأسماء إنما هو مجاز ، لأنّ الأسماء لا يؤمر بها وإنّما يؤمر بالفعل إذا كان غير واقع ، فإذا قال قائل : كيف يؤمر من ضارب أو من طويل فإنما معناه : كيف يؤمر من الفعل الذي هو جار عليه أو اسم له ، فتقول : اضرب وطل ، لأنّهم يقولون : ضرب وطال ، فإن قيل لنا : كيف يؤمر من بكر وخود؟ قلنا : لا يجوز لأنّه ليس اسما للفعل ولا جار على فعل ، فسبيله الأسماء
__________________
(١) الحبرج : ذكر الحبارى.
(٢) الخود : الفتاة الحسنة الخلق ، والسلهب : الطويل ، والعرطل : الفاحش الطويل ، والجعشم : الصغير البدن القليل اللحم.