ألفا ولاما ، فتقول : مررت برجل أسهل خدّ الغلام أشدّ سواد الطّرّة ، وإنّما قلنا : إن هذا أجود الوجوه لأنّ سيبويه قال (١) : «اعلم أنّ كينونة الألف واللام في الاسم الآخر أكثر وأحسن من أن لا يكون فيه الألف واللام ، لأنّ الأوّل في الألف واللام وغيرهما هاهنا على حالة واحدة» ، يعني سيبويه أنّ الأول لا يتعرّف بإدخالك الألف واللام في الثاني ، ألا ترى أنّ قولك : مررت برجل أسهل خدّ الغلام أشدّ سواد الطّرّة ، أنّه لم يتعرف أسهل ولا أشد ، فاختير دخول الألف واللام ليكونا بدلا من الهاء؟ وإن شئت جئت بالهاء فقلت : مررت برجل أسهل خدّ غلامه أشدّ سواد طرّته.
قال أبو العباس : في هذه الأجوبة ما قد أحلت به على قول النحويين أجمعين ، وليس فيها جواب عمّا سألناك عنه ، وذلك أنّا سألناك فيها بلا ألف ولام ولا هاء ، فزدت فيها ما ليس فيها ، وكان ينبغي أن تردّ المسألة فتقول : هي خطأ على هيئتها إذا لم تدخل فيها الألف واللام أو الهاء ، وتبين من أيّ وجه كانت خطأ أو تجيب فيها إذا كانت صوابا على هيئتها كما ألقيت.
قال أبو جعفر : أمّا قولي : «مررت برجل أسهل خدّ الغلام أشدّ سواد الطّرّة» فهو بنزلة قولك : «مررت برجل أحمر خدّ الغلام» وما أشبهه ، وهو كثير في كلام العرب ، أنشد سيبويه : [البسيط]
٥١٩ ـ أهوى لها أسفع الخدّين مطّرق |
|
ريش القوادم لم تنصب له الشّبك |
فقوله : أسفع الخدّين بمنزلة أسهل خدّ الغلام ، وأمّا قولي : مررت برجل أسهل خدّ غلامه أشدّ سواد طرّته فأسهل مرفوع بالابتداء وخدّ غلامه خبره ، والجملة فيه في موضع جرّ ، وكذا الجملة الثانية ، كما تقول : مررت برجل أسود غلامه أحمر أبوه ، وهذا أشهر من أن يحتاج إلى أن يستشهد له ، ونظيره قوله عزّ وجلّ : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) [الجاثية : ٢١] ، على قراءة من قرأ بالرفع ، وهو أحسن ، وكذلك الرفع في المسألة أحسن ، وكذا كل ما لم يكن جاريا على الفعل ، فهذا حكمه ، وأما قولي : مررت برجل أسهل خدّ غلامه أشدّ سواد طرّته ، فعلى أن أجعل أسهل نعتا لرجل وأجعله بمعنى يسهل فأرفع خدّ بأسهل ، وكذلك الجملة الثانية ، كما تقول : مررت برجل أحمر أبوه ، والرفع أجود ، وإنما جاز أن تجريه على الأول لأنّه بمعنى ما هو جار
__________________
(١) انظر الكتاب (١ / ٢٥٦).
٥١٩ ـ الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه (ص ١٧٢) ، والكتاب (١ / ٢٥٧) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٧٧) ، ولسان العرب (هوا).