منك وجها وأكثر منك مالا ، وإن شئت قدمت فقلت : «أحسن وجها منك» وإن شئت حذفت الفصل وأنت تريده كما قال ، فتقول : «أنت خير أبا» تريد منه ، قال الله عزّ وجلّ : (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) [مريم : ٧٤] يريد : منهم ، وإن شئت حذفت المعمول فيه وجئت بالفصل ، فتقول : زيد أفضل بن عمر ، ولا يجز أن تحذفهما جميعا ، إلّا أن يكون ذلك مشهورا في الخلق ، كقولهم : الله أكبر ، لأنّه قد علم أنّ الأمر كذلك ، فكأنّه قد نطق بالفصل ، أو يكون شائعا في أمته ، نحو قول الفرزدق : [الكامل]
٥٢٠ ـ إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا |
|
بيتا دعائمه أعزّ وأطول |
وأما قول من يقول : إنّ هذا قد يكون بمعنى فاعل أو غيره فليس عندنا بشيء ، لأنّه لا نجد عليه دليلا ، فإذا أردت إضافة أفعل هذا الذي للتفضيل ومعنى التعجب لم تضفه إلّا إلى جمع معرف بالألف واللام ويكون جنسا للأول ويكون الأول بعضا للثاني ، قولك : زيد أفضل الرجال ، ولا تكون الإضافة في هذه الأوصاف التي في هذا المعنى إلّا على هذا ، ألا ترى أنّك لا تقول : زيد أفضل الخيل ولا فرسك أفضل الناس ، لأنّ الناس ليسوا جنسا للفرس ولا الفرس بعضا لهم؟ وهكذا جميع هذا ، وقد يجوز أن تحذف الألف واللام وبناء الجمع من الجنس استخفافا ، فتقول : زيد أفضل رجل وأنت تريد : أفضل الرجال : كما قلت : هذه مائة درهم وأنت تريد : من الدراهم ، وكل رجل تريد الرجال ، ولا يشبه أفعل الذي يكون بلا فصل أفعل لذي يلزمه الفصل ، ولا هو منه في شيء ، لأنّ الذي لا يلزمه الفصل يثنّى ويجمع ويؤنّث ويذكّر والذي يلزمه الفصل لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث ، تقول : زيد أفضل من عمر ، والزيدان أفضل من عمر ، والزيدون أفضل من عمر وهند أفضل من دعد ، وما أشبه ذلك ، ولأفعل الذي يلزمه الفصل وجوه كثيرة تدل على أنّه ليس من أفعل الذي لا يلزمه الفصل بشيء وليس بها خفاء على من اعتبرها أدنى اعتبار ، والذي يدل على تمويهه أنّه قال : ألا ترى أنّ قولهم : مررت برجل أسهل خدّ الغلام أشدّ سواد «الطّرّة» أنّه لم يتعرف «أسهل» ولا «أشدّ» فيحتاج إلى أن يعلم من قاله ، فإنه كذب لم يقله أحد ، وقوله : أمّا قولي : مررت برجل أسهل خد الغلام وما أشبهه وهو كثير في كلام
__________________
٥٢٠ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (٢ / ١٥٥) ، وخزانة الأدب (٦ / ٥٣٩) ، وشرح المفصّل (٦ / ٩٧) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ٢٥٧) ، ولسان العرب (كبر) و (عزز) ، وتاج العروس (عزز) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٢) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (٢ / ٣٨٨) ، وشرح ابن عقيل (ص ٤٦٧).