لست من روّاضه ، إنّك قلت هذه المسألة عن سيبويه فحرّفت وخرّفت ، وأحلت إذ عليه بخطائك أحلت وأنا أنصّ كلام سيبويه ، ثم أظهر بعد ذلك فساد ما ذهبت إليه ، وأوجّه هذه المسألة على الوجه الصحيح المطّرد الجاري على طريق كلام العرب بمشيئة الله وعونه.
أمّا نصّ كلام سيبويه فيها فهو (١) : «وتقول في فعلول من شويت وطويت : شوويّ وطوويّ ، وإنّما حدّها وقد قلبوا الواوين طيّيّ وشيّيّ ، ولكنّك كرهت الياءات كما كرهتها في حيّيّ حين أضفت إلى حيّة فقلت : حيويّ».
وهذا كلام قد جمع مع الاختصار البيان ، فاستغنى عمّا أوردته في توجيهك بزعمك من الهذيان.
وأمّا قولك : «والصحيح في هذا شويوي ويجب أن يمضى في القياس في قلب الواوين ياءين ، فتصير «شيّيّ» ثم تختزل حركة الياء الثانية وهي الضمة ، ثم تحذف لالتقاء الساكنين ، ثم تحذف الياء الأخرى لالتقاء الساكنين ، فتصير إلى شيّ ، ثم تكسر الشين فتصير إلى شيّ ، كما فعلوا في بيض» فإنّك صرفت في هذا التصريف عن وجه الصواب ، وأتيت فيه بما لا يصدر مثله عن ذوي الألباب ، ما خلا قولك : إن الواوين قلبتا ياءين لاجتماعهما مع الياءين وسبقهما بالسكون ، وهو قول سيبويه الذي بدأنا به ، ألم تعلم أنّه تقرّر عند جميع النحويين أنّ كل اسم كانت فيه ياء أو واو وسكّن ما قبلها أنّ حركتها لا تختزل لاما كانت أم عينا؟ فمثال اللام قولنا : ظبي ودلو وكرسيّ وعدو ، ومثال العين : أبيت وأعين وأدون وأسوق وأعينة وأخونة ومخيط ومقول ، وربما نقلوا حركة الياء أو الواو إلى الساكن الذي قبلها إذا كان يقبل الحركة ، وذلك مثل معيشة ومشورة ، ولهذا قياس يذكر في التصريف ، فيعلم بهذا فساد قولك : إنّ حركة الياء اختزلت مع كون ما قبلها ساكنا ، وقد تقرّر أنّه إذا سكنّ ما قبل الياء والواو في هذا النحو صحّتا ، وإنما تختزل حركة الياء إذا انكسر ما قبلها في مثل : القاضي ، فإنّ الياء تكون ساكنة في الرفع والجر لثقل الحركة عليها مع كسر ما قبلها ، ولو سكن ما قبلها لصحّت ، كذلك الواو أيضا تختزل حركتها إذا انضم ، ما قبلها في مثل يغزو ، والأصل فيها أن تكون متحركة بالضم إلّا أنّه كره ذلك فيها لثقل الضمة عليها مع تحرّك ما قبلها ، وإذا ثبت فساد هذه المقدمة فسد ما بنيته عليها من الحذوف المجحفة الملبسة التي يمنعها جميع النحاة ، ثم قلت : «العرب تمضي القياس وإن أفضى إلى حذف معظم حروف الكلمة» فليس هذا القول بصحيح على
__________________
(١) انظر الكتاب (٤ / ٥٥٠).