الخلاف حيث لا تقصد المبالغة ، فإن قصدت فالاتّفاق على أنّه لا تأويل ولا تقدير».
وهذا الذي قاله ابن عصفور هو الذي في ذهن أبي حيّان ، ولكنّه نسي فتوهّم أنّ ابن عصفور قال : إنّه لا تأويل مطلقا ، فمن هنا ـ والله أعلم ـ دخل عليه الوهم ، والذي يظهر لي أنّ الفارسيّ إنّما لم يجز في «فضلا» الصفة لأنه رآه منصوبا أبدا سواء كان ما قبله منصوبا كما في المثال أم مرفوعا كما في البيت ، أم مخفوضا كما في قولك : فلان لا يهتدي إلى ظواهر النحو فضلا عن دقائق البيان.
فهذا منتهى القول في توجيه إعراب الفارسيّ ، وأمّا تنزيله على المعنى المراد فعسر ، وقد خرّج على أنّه من قوله :[الطويل]
٥٤١ ـ على لا حب لا يهتدى بمناره |
|
[إذا سافه العود الدّيافيّ جرجرا] |
ولم يذكر أبو حيان سوى ذلك ، وقال : وقد يسلّطون النفي على المحكوم عليه بانتفاء صفته ، فيقولون : ما قام رجل عاقل ، أي : لا رجل عاقل فيقوم ، ثم أنشد بيت امرئ القيس المذكور ، فقال : ألا ترى أنه لا يريد إثبات منار للطريق وينفي الاهتداء به؟ إنما يريد نفي المنار فتنتفي الهداية به ، أي : لا منار لهذا الطريق فيهتدى به ، وقال الأفوه الأوديّ : [السريع]
٥٤٢ ـ بمهمه ما لأنيس به |
|
حسّ فما فيه له من رسيس |
لا يريد أن بهذا القفر أنيسا لا حسّ له ، إنّما يريد : لا أنيس به فيكون له حسّ ، وعلى هذا خرج : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] ، أي : لا شافع لهم فتنفعهم شفاعته ، و (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) [البقرة : ٢٣٥] ، أي : لا سؤال فيكون إلحافا ، قال : وعلى هذا يخرج المثال المذكور ، أي : لا يملك درهما فيفضل عن دينار له ، وإذ انتفى ملكه الدرهم كان انتفاء ملكه للدينار أولى.
قلت : وهذا الكلام الذي ذكره لا تحرير فيه ، فإنّ الأمثلة المذكورة من بابين مختلفين وقاعدتين متباينتين أميّز كّلا منهما عن الأخرى ، ثم أذكر أنّ التخريج المذكور لا يتأتّى على شيء منهما :
__________________
٥٤١ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ٦٦) ، ولسان العرب (ديف) و (سوف) و (لحف) ، وتهذيب اللغة (٥ / ٧٠) ، وأساس البلاغة (سوف) ، وتاج العروس (سوف) و (لحف) و (ديف) ، وبلا نسبة في لسان العرب (نسا) ، ومقاييس اللغة (٢ / ٣١٨) ، ومجمل اللغة (٢ / ٣٠٤).
٥٤٢ ـ الشاهد في ديوانه (ص ١٨) ، وسمط اللآلي (ص ٣٦٤).