بجنس الملحفين ، وذمّهم على الإلحاف لأنّ النقيض للوصف الممدوح مذموم ، والمثال المبحوث فيه يتخرج على هذه القاعدة فيما زعموا.
فإنّ فضلا مقيد للدرهم ، فلو قدّر النفي مسلّطا على القيد اقتضى مفهومه خلاف المراد ، وهو أنّه يملك الدرهم ولكنّه لا يملك الدينار ، ولمّا امتنع هذا تعيّن الحمل على الوجه المرجوح ، وهو تسليط النفي على المقيّد وهو الدرهم ، فينتفي الدينار لأنّ الذي لا يملك الأقلّ لا يملك الأكثر ، فإنّ المراد بالدرهم ليس الدرهم العرفيّ ، لأنّه يجوز أن يملك الدينار من لا يملكه ، بل المراد ما يساوي من النقود درهما ، فهذا توجيه التخريج.
وأما الاعتراض عليه فمن جهة أنّ القيد ليس نفس الدينار حتى يصير المعنى : لا يملك درهما فكيف يملك دينارا؟ وإنما القيد قوله : فضلا عن دينار ، فيصير المعنى لا يملك درهما فكيف يملك زائدا عن دينار ، والكلام لم يسق لنفي ملك الزائد عن الدينار ، بل لنفي ملك الدينار نفسه ، ثم يلزم من ذلك انتفاء ملك ما زاد عليه ، والذي يظهر لي في توجيه هذا الكلام أن يقال : إنه في الأصل جملتان مستقلّتان ، ولكنّ الجملة الثانية دخلها حذف كثير وتغيير حصل الإشكال بسببه ، وتوجيه ذلك أن يكون هذا الكلام في اللفظ أو في التقدير جوابا لمستخبر قال : أيملك فلان دينارا؟ أو ردّا على مخبر قال : فلان يملك دينارا ، فقيل في الجواب : فلان لا يملك درهما ، ثم استأنف كلاما آخر ، ولك في تقديره توجيهان :
الأول : أو يقال : أخبرتك بهذا زيادة عن الإخبار عن دينار استفهمت عنه أو زيادة عن دينار ، وأخبرت بملكك له ، ثم حذفت جملة «أخبرتك بهذا» وبقي معمولها وهو «فضلا» كما قالوا : حينئذ الآن ، بتقدير : كان ذلك حينئذ واسمع الآن ، فحذفوا الجملتين وأبقوا من كل منهما معمولها ، ثم حذف مجرور عن وجار دينار وأدخلت عن الأولى الدينار ، كما قالوا : «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد» ، والأصل : منه في عين زيد ، ثم حذف مجرور من وهو الضمير وجارّ العين وهو في ودخلت من على العين.
الثاني : أن يقدر : فضلا انتفاء الدرهم عن فلان عن انتفاء الدينار عنه ، ومعنى ذلك أن تكون حال هذا المذكور في الفقر معروفة عند الناس ، والفقير إنما ينفى عنه في العادة ملك الأشياء الحقيرة لا ملك الأموال الكثيرة ، فوقوع نفي ملك الدرهم عنه في الوجود فاضل عن وقوع نفي ملك الدينار عنه أو أكثر منه ، و «فضلا» على التقدير الأول حال وعلى الثاني مصدر ، وهما الوجهان اللذان ذكرهما الفارسي ، لكن توجيه