فصيحة ، وزعم أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله في أماليه أنّ ذلك على المفعول المطلق ، وأنّه من المصدر المؤكد لغيره ، قال : «ذلك لأنّ معنى قولنا : الإجماع لغة العزم ، مدلول الإجماع لغة : العزم ، والدّلالة تنقسم إلى دلالة شرع وإلى دلالة عرف ، فلمّا كانت محتملة وذكر أحد المحتملات كان مصدرا من باب المصدر المؤكد لغيره» ، وفيما قاله نظر من وجهين :
الأول : ما ذكرنا من أنّ اللغة ليست مصدرا لأنّها ليست اسما لحدث.
والثاني : أنّ ذلك لو كان مصدرا مؤكدا لغيره لكان إنّما يأتي بعد الجملة ، فإنه لا يجوز أن يتوسّط ولا أن يتقدّم لأنّه لا يقال : زيد حقا ابني ، ولا حقا زيد ابني ، وإن كان الزّجّاج يجيز ذلك ، ولكنّ الجمهور على خلافه.
والوجه الرابع : أن يكون مفعولا لأجله ، والتقدير : تفسير الإعراب لأجل الاصطلاح ، أي : لأجل بيان الاصطلاح ، وهذا الوجه أيضا لا يستقيم لأنّ المنتصب على المفعول له لا يكون إلّا مصدرا كقمت إجلالا له ، ولا يجوز : جئتك الماء والعشب بتقدير مضاف أي : ابتغاء الماء والعشب.
الوجه الخامس : وهو الظاهر ، أن يكون حالا على تقدير مضاف إليه من المجرور ومضافين من المنصوب ، والأصل : تفسير الإعراب موضوع أهل اللغة أو موضوع أهل الاصطلاح ثم حذف المتضايفان على حد حذفهما في قوله تعالى : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) [طه : ٩٦] ، أي : من أثر حافر فرس الرسول ، ولمّا أنيب الثالث عمّا هو الحال بالحقيقة التزم تنكيره لنيابته عن لازم التنكير ، كما في قولهم : «قضية ولا أبا حسن لها» (١) والأصل ولا مثل أبي الحسن لها ، فلمّا أنيب أبو حسن عن مثل جرّد عن أداة التعريف ، ولك أن تقول : الأصل : موضوع اللغة أو موضوع الاصطلاح على نسبة الوضع إلى اللغة أو الاصطلاح مجازا ، وحينئذ فلا يكون فيه إلا حذف مضاف واحد ، ويصير نظير قول بعض العرب :
«كنت أظنّ العقرب أشدّ لسعة من الزّنبور فإذا هو إيّاها» على تأويل ابن الحاجب فإنّه أعرب إيّاها حالا ، على أنّ الأصل : فإذا هو موجود مثلها ، فحذف الخبر كما حذف من «خرجت فإذا الأسد» ، ثم حذف المضاف وهو مثل وقام المضاف إليه مقامه ، فتحول الضمير المجرور ضميرا منصوبا ، بل تخريج ما نحن فيه على ذلك أسهل ، لأنّ لفظ الضمير معرفة ، فانتصابه على الحال بعيد.
والظاهر في المثال المذكور أنّه مفعول الفعل محذوف هو الخبر ، والتقدير :
__________________
(١) انظر الكتاب (٢ / ٣٠٩).