و «سبحان الله» الخبر ، وهو مراده إذ لا تقديم فيه ، وإذا لم يكن تقديم فإنما يجيء الحصر في المعرّف بلام الجنس للاستغراق لزوما عقليا ، كقولنا : العالم زيد ، إذا جعلنا العالم مبتدأ ، واليمين على المدعى عليه ، فيفيد أن لا يمين على غيره بسبب جعل الكلّ عليه ، لأنّه ليس وراء الكلّ شيء ، وكأنه ذهب عليه أنّ المذكور في الحديث الكلمتان الخفيفتان الحبيبتان سبحان الله إلخ ، وليس مثله بعجيب على الإنسان كما ذهب على الذاهب بجوابي ليرى غلطه أني جعلت كون الفائدة في جعل «سبحان الله» مبتدأ باعتبار وصف الخبر لا نفسه وجها لردّ ابتدائية سبحان الله إلخ .. ، فأورد عليه لزوم عدم صحة «زيد رجل صالح» وأنا لست من هذا ، وإنّما جعلته كما هو صريح في كتابتي وجه مرجوحيته وأولوية كونه خبرا فليرجع إلى نظر الكتابة ، غير أنّ النفس إذا ملئت بقصد الرد يقع لها نحو هذا السهو في الحسّ ، وإذا كان المذكور في الحديث «كلمتان» بلا تعريف جنس استغراقي لم يكن حصر ، بل المراد الإخبار بسبحان الله وبحمده .. إلخ عن الكلمتين الموصوفتين كما ارتضاه الكاتبون وجعله العبد الضعيف أولى الوجهين ، أو عن سبحان الله وبحمده بأنهما حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان ، والمعنى أنّ اللفظ الذي عهدتموه وتقولونه وهو سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم له من المقدار عند الله أنّهما كلمتان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن ، ولا يخفى أنّه لا يراد مطلق ثقل ما ومحبّة ما ، لأن ذلك معلوم للمؤمنين غير مجهول لهم في كلّ ذكر لله هذا وغيره أنه كذلك ، فلو أريد ذلك لم تكن الجملة الخبرية كلها مجدّدة فائدة عند السامعين ، سواء جعلت «سبحان الله» مبتدأ أو خبرا ، بل هي حينئذ بمنزلة «النار حارّة» ونحوه ، ومثله يجب صون كلام بعض البلغاء عنه ، فكيف بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ سواء جعلت تجدّد الفائدة شرطا لكون الجملة كلاما أو لم تجعل ، فإن الذي لا يشرطه لا يقول : إنه قد حصل فائدة تامة ، إلّا أنّه لا يشرطها في مسمى الكلام اصطلاحا ، وحينئذ وجب كون المراد زيادة ثقل وزيادة محبة ممّا لا يلزم كلّ مؤمن يعلم أنّ للذكر ثوابا ، وإذا ظهر أنّ كلّا من «ثقيلتان» وحبيبتان وسبحان الله وبحمده ، يصلح محطّ فائدة يكون بها خبرا ، ويزداد جعل «سبحان الله» مبتدأ قدّم خبره بنكتة بلاغية لأجلها قدّم الخبر ، وهي التشويق إلى المبتدأ ، وكلّما طال الخبر حسن هذا النوع ، لأنّه كلّما طال بذكر الأوصاف ازداد الشوق إلى المحدّث عنه بها ، كما هو في الحديث الكريم حيث قال : «كلمتان خفيفتان على اللّسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن» فإنّ النفس كثر تشوّقها بذلك إلى سماع المحدّث عنه بها ، فلم يجئ «سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» إلّا والنفس في غاية الشوق إلى سماعه ، فهو مثل قوله : [البسيط]