الأوجه الثلاثة يستقلّ بدفعها على ما في بعضها من التحكم ما ذكرناه من أنّ الكلام الواقع خبرا إنّما أريد به لفظه ، ومن أمثلتهم من ابتدائية المتعاطفين إذا أريد به مجرد اللفظ : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله كنز من كنوز الجنّة».
ومنها : أنّ «سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» كلمة ، إذ المراد بالكلمة في الحديث اللغويّة ، فلو جعل مبتدأ لزم الإخبار عمّا هو كلمة بأنّه كلمتان ، ولا يخفى على سامع أنّ المراد اعتبار «سبحان الله وبحمده» كلمة و «سبحان الله العظيم» كلمة ، فالمجموع كما يصحّ أن يعبّر عنه بكلمة كذلك يصحّ أن يعبّر عن كل جملة منه بكلمة ، غير أنّ لمّا كان كلّ من الجملتين ، أعني «سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم» ـ ممّا يستقلّ ذكرا تاما ويفرد بالقصد إليه وبقوله اعتبر كلمة وعبّر عنهما بكلمتين ، على أنّ ما ذكره لازم على تقدير جعل «سبحان الله» الخبر كما هو لازم على تقدير جعله مبتدأ ، لأنّه كما لا يصحّ أن يخبر عمّا هو كلمة بأنّه كلمتان بما هو كلمة ، فإنّ الحاصل على تقدير كون «كلمتان» المبتدأ أنّ الكلمتين اللّتين هما كذا وكذا هما الكلمة التي هي «سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم».
وبجوابنا اندفع عن الشقين لا بما قيل في جوابه : إن سبحان الله إلخ .. تضمن عطفا فيقوم مقام المتعدد ويخبر عنه بكلمتين ، وهذا إن أريد به الكائن في «وبحمده» فهو على تقدير كونه خبرا محضا ، وإلّا فإن جعل «سبحان الله» نقل إلى الإنشاء ـ وإن كان إخبارا ـ صيغة كصيغ العقود كبعت ، وبحمده مع متعلقه خبرا لم يكن عطفا عليه لأنه إنشاء ، وعلى تقدير حذف العاطف ، أي : وسبحان الله وهو قليل ومختلف فيه ، وعلى تقدير صحتهما لا يندفع السؤال ، فإن السائل قال : المراد بالكلمة اللغوية ، فالمجموع من «سبحان الله» إلى آخر الكل كلمة ، ومعلوم أن وجود العطف في أثناء الكلام الكثير لا يمنع من إطلاق لفظ كلمة عليه ترى قولنا : له كلمة شاعر ، يعنون القصيدة ، لا يصح إلّا أن تكون قصيدة لم يقع في مجموعها عطف ، أنّى يكون هذا؟ وحينئذ فالمجموع من المتعاطفين كلمة ، فلا يخبر عنه بأنه كلمتان ، ويعود السؤال فلا يفيد إلّا أن يعود إلى جواب الفقير إن شاء الله تعالى.
ومنها : أنّ جعل المبتدأ «سبحان الله» إلخ .. يفوّت نكتة ، وهي إرادة حصر الخبر في المبتدأ ، وأنت لا يخفى عنك أنّ الحصر إمّا أن يكون بالأداة أو بتقديم الخبر أو المعمول ، والتقديم إنّما هو في جعل «سبحان الله وبحمده» المبتدأ والكلمتان الخبر ، فيصير من قبيل : «تميميّ أنا» لا في جعل «كلمتان» المبتدأ