الشهادة يقدّم على دعوى المشهود عليه الضد أو النقيض ، فظهر أنّ تقديم النفي هنا فرع المعارضة لمرجع الشهادة لا للنفي ، وكلام الناس غير خفي في هذا.
وأمّا قوله : أشكل على هذا الأصل نفيهم الجهر بالبسملة فإن أراد بالأصل ما مهّده من أنّ ذلك النوع من النفي مقدّم على الإثبات فلا إشكال ، لأنّه قد قدّم النفي على ذلك التقدير عند معارضة الإثبات ، وإنما الكلام في تحقيق المعارضة ، ولا شك أنّ رجلا لو واظب الصلاة خلف رجل في الجهريّة سنة كاملة ، وهو مع ذلك حريص على استعلام أحواله في الصلاة ، ثم يقول بعد عدم شكه في سماعه جهره فيما جهر به في القراءة : لم أسمعه قرأ كذا ، مع فرض أنّ ذلك الذي ذكر أنه لم يسمعه ليس ممّا يقرأ أحيانا ويترك غالبا بل مما هو مواظب عليه في كل جهريّة بادر إلى كل عاقل سمعه أنّ ذلك المصلي لم يجهر بذلك ، وكان أقل الأمر أنّه كقوله : لم يجهر بكذا ، وكل احتمال يروّجه الوهم مع هذه الحالة المفروضة من الراوي مما يثبته العلم العادي فكيف يقرب مع العقل مع مواظبة أنس رضي الله عنه عشر سنين على الوجه المذكور مع مواظبة النبي صلّى الله عليه وسلّم على الجهر بالبسملة كونه لم يتفق مرة من ألف مرة أن يسمعه؟ هذا محال عادة ، فكان قوله : لم أسمع كقوله : لم يجهر فعارض رواية الجهر.
وإن أراد أنه يرد على شقي مسألة الشهادة في الطلاق وهي ما إذا قال الشهود : لم نسمعه استثنى وقال هو : استثنيت حيث قدم دعوى الإثبات على قولهم ، غير أنّ في عبارة المورد قصورا عن إفادة مرامه ، فليس بشيء ، فإنّ قبول قولهم لعدم المعارضة بين قوله : استثنيت وقولهم : لم نسمع لجواز الاستثناء مع عدم سماعه بأن يستثني خفيا بحيث يسمع نفسه ومن توجه لاستعلام حاله ، فإذا كانا مما يجتمعان أعني الاستثناء وعدم السماع لم تكن شهادتهما تعارض دعواه ، وأين هذا من قول القائل : جهر مع قول المصغي إليه في عمره : لم أسمع ، قد بيّنّا ثبوت المعارضة فيه بما لم يبق بعده إلّا الشغب المحرم.
وإنما كان الإشكال يرد على مسألة الشهادة لو كان الزوج قد قال : جهرت بالاستثناء فقال المتوجهون إليه للشهادة لم نسمعه ، وحكمها على هذا التقدير غير مذكور ، ولنا أن نقول على هذا التقدير : تقدم الشهادة ويحكم بالفرقة.
وإذ قد ظهر أنّ ما وقع في هذا السؤال من تمهيد الأصل وإيراد التفريغ عليه ثم إيراد الإشكال كله خطأ مع نسبتي ذلك إلى الكتابة لا إلى المورد ، فإني لم أعلم أنّ الكتابة كتابته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.