رواية أنّه صلّى خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : فلم أسمعه يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم (١) ، فأجاب الشيخ كمال الدين بما نصّه :
أمّا قوله : «إنّ المنفي إذا كان ممّا يعرف بدليله يقدّم على الإثبات «فغير صحيح ، بل الثابت عندهم أنه يعارضه حتى إن لم يوجد مرجّح من خارج تساقطا ، وأمّا قوله في تفسير هذا المنفي : إنه الذي يكون صريحا في ردّ دعوى المثبت تمييزا له عن قسيمه من النفي الآخر» فمخالف لتفسيرهم له ، وكلمتهم في تفسيره إنما هي دائرة على أنّ المراد به كون النفي ممّا يصح بناؤه على استصحاب عدم متقرّر الثبوت معلوم ، بل أن يكون ثابتا البتّة بدليل دلّ على طروئه وأفادوا أن ليس المراد بالنافي ما فيه صورة النفي بل ما كان مبقيا للأصل يعنون الحالة المقررة المعلوم ثبوتها وأنّ المثبت هو الذي يثبت الأمر العارض على تلك الحالة وإن لم يكن في أحد الدليلين صورة نفي أصلا ، وعلى هذا حكموا بأنّ رواية إعتاق بريرة وزوجها عبد نافية لأنّها مبقية للحالة المعلوم ثبوتها ، ورواية عتقها وهو حرّ مثبتة لإفادتها وقوع العارض على ذلك الأصل ، فقدّموا هذه تقديما للإثبات ، وإنما حكموا بأنّ رواية تزوّجه عليه السّلام ميمونة وهو حلال مثبتة ، ورواية تزوجه وهو محرم نافية ، للاتفاق على أن ليس المراد بالحلّ الذي تزوجها فيه على تلك الرواية الحل الأصلي ، بل الحل الطارئ على الإحرام ، بمعنى أنّه تزوّجها بعد ما حلّ من إحرامه ، فكان إحرامه عليه الصلاة والسّلام أصلا بالنسبة إليه للعلم بوقوعه وتقرّره ، فكان المفيد له مفيدا للأصل فهو ناف ، والمفيد للحل مفيد للعارض فكان مثبتا ، فحكموا بمعارضته للنفي ثم رجحوها بالراوي وهو ابن عباس على يزيد بن الأصمّ ، وما ذكره السائل ليس موافقهم فيما ذكروه ، بل لا يبعد أنّه لا معنى في هذا المقام ، وأمّا ما ذكره من فرع الشهادة في الطلاق فظاهره أنّهم أوردوه تفريعا على الأصل المذكور ، وهو تقديم النفي على ما زعم حيث قدم قول الشهود : «لم يستثن» على قول الزوج : استثنيت ، وليس كذلك ، بل إنما أوردوه شاهدا على معارضة هذا النفي للإثبات ، وكلام فخر الإسلام البزدوي صريح فيه ، وقبول الشهادة ووقوع الحرمة بالشهادة بهذا النفي بناء على أنّه ممّا يعارض الإثبات لأنّه لو لم يكن يعارضه لم تقبل الشهادة به أصلا ، كما هو المشهور على الألسنة من أنّ الشهادة على النفي باطلة ، فلمّا كان بحيث يعارضه ويساويه تفرع قبول الشهادة عليه إذ لا خفاء في أنّ كلّ ما قامت به البيّنة وهو ممّا تصحّ به
__________________
(١) انظر صحيح مسلم (١ / ٢٩٩).