قال : بأن تنصب بشاشة على التمييز وترفع الوجه المليح بقلّ ويكون قد حذف التنوين لالتقاء الساكنين كما حذف في قوله (١) : [المتقارب]
فألفيته غير مستعتب |
|
ولا ذاكر الله إلّا قليلا |
قال : فرفعني حتى أقعدني بجانبه.
قال ياقوت (٢) : قرأت في كتاب (الموضّح في العروض) من تصنيف أبي القاسم عبيد الله بن محمد بن جرو الأسديّ (٣) أخبارا أوردها عن نفسه فيه ومناظرات جرت له مع الشيوخ في العروض منها : قرأت على شيخنا أبي سعيد السيرافي (كتاب الوقف والابتداء) عن الفراء روايته عن أبي بكر بن مجاهد عن ابن الجهم عنه فمرّ فيه ببيت أنشده الفراء : [الطويل]
٥٦٤ ـ بأبي امرؤ والشّام بيني وبينه |
|
أتتني ببشرى برده ورسائله |
فقلت : هذا البيت لا يستقيم ، فقال أبو سعيد : أنشده ابن مجاهد عن الفراء ، وهو كما قال قد أنشدناه غير واحد من شيوخنا عن أبي بكر وعن ابن بكير عن ابن الجهم ، وعن ابن الأنباري عن أحمد بن يحيى عن سلمة عن الفراء هكذا ، فقال أبو سعيد : ما عندك فيه؟ فقلت : رأيت هذا البيت بخط أبي سهل النحوي في هذا الكتاب : يأبوي امرؤ ، وقال : ردّ الأب إلى أصله لأنّه في الأصل عند الكوفيين أبو على فعل ، مثل : نحر وغزو ، فقال لي أبو سعيد : لا ينبغي أن تلتفت إلى هذا ، لأنّ الرّواة والناقلين أجمعوا على أنّه مكتوب بأبي ، وكذلك لفظوا به ، ولكنّ اصطلاحه أن يكون بأبي امرؤ ، فيكون بأبيم فعولن ، وسكّن كسرة الباء من أبي لأنّه قدّره تقدير فخذ ، وهذا لعمري تشبيه حسن ، لأنّهم قد أجروا هذا في المنفصل مجرى المتّصل ، فقالوا : اشتر لنا (٥) ، جعلوا ترل بمنزلة فخذ ، وأشدّ من هذا قراءة حمزة : (وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا) [فاطر : ٤٣] ، جعل سيئا بمنزلة فخذ ثم أسكن كما يقال : فخذ ، والحركة في السّيّئ حركة إعراب ، وفي هذا ضربان من التجوّز : جعله المنفصل بمنزلة المتصل ، وتشبيهه حركة الإعراب بحركة البناء. انتهى.
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (١٥٩).
(٢) انظر معجم الأدباء (١٢ / ٦٣).
(٣) عبيد الله بن محمد بن جرو الأسديّ أبو القاسم : العروضي النحوي المعتزليّ ، من أهل الموصل ، كان عارفا بالقراءات والعربية ، صنّف : تفسير القرآن ، والموضح في العروض ، والمفصح في القوافي وغيرها (ت ٣٨٧ ه). ترجمته في بغية الوعاة (٢ / ١٢٧).
٥٦٤ ـ الشاهد لجرير في ديوان المعاني (١ / ٦٦) ، وهو ليس في ديوانه.
(٤) انظر الشاهد رقم (٢١).