وقال : أبلغت يا كسائي إلى هذا؟ ثم قال لأبي يوسف : أجبه ، فقال الكسائي : ما تقول لرجل قال لامرأته : «أنت طالق إن دخلت الدار»؟ فقال أبو يوسف : إذا دخلت الدار طلقت ، فقال الكسائي : خطأ ، إذا فتحت أن فقد وجب الأمر ، وإذا كسرت فإنه لم يقع بعد فنظر أبو يوسف بعد ذلك في النحو.
وحدّث أيضا عمّن سمع الكسائي يقول : اجتمعت أنا وأبو يوسف القاضي عند هارون الرشيد ، فجعل أبو يوسف يذمّ النحو ويقول : ما النحو؟ فقلت وأردت أن أعلّمه فضل النحو : ما تقول في رجل قال لرجل : أنا قاتل غلامك؟ وقال له آخر : أنا قاتل غلامك ، أيّهما كنت تأخذ به؟ قال : آخذهما جميعا ، فقال له هارون : أخطأت ، وكان له علم بالعربية ، فاستحيى وقال : كيف ذلك؟ فقال : الذي يؤخذ بقتل الغلام هو الذي قال : أنا قاتل غلامك ، بلا إضافة فإنّه لا يؤخذ لأنّه مستقبل لم يكن بعد ، كما قال الله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً ، إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٤] ، فلولا أنّ التنوين مستقبل ما جاز فيه غدا ، فكان أبو يوسف بعد ذلك يمدح العربية والنحو.
قال أبو عبد الله بن مقلة (١) : حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى قال : اجتمع الكسائي والأصمعي عند الرشيد ، وكانا معه يقيمان بمقامه ويظعنان بظعنه ، فأنشد الكسائي : [البسيط]
٥٦٧ ـ أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به |
|
رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن |
فقال الأصمعي : رئمان بالرفع ، فقال له الكسائي : اسكت ، ما أنت وهذا؟ يجوز رئمان ورئمان ورئمان ، ول يكن الأصمعي صاحب عربيّة ، فسألت أبا العباس كيف جاز ذلك؟ فقال : إذا رفع رفع ب ينفع ، أي : أم كيف ينفع رئمان أنف ، وإذا نصب نصب بتعطي ، وإذا جرّ جرّ بردّه على الهاء في به ، قال : والمعنى : وما ينفعني إذا وعدتني بلسانك ثم لم تصدّقه بفعلك؟ يقال ذلك للّذي يبرّ ولا يكون منه نفع كهذه الناقة تشمّ بأنفها مع تمنّع درّتها ، والعلوق : التي علق عليها ولدها ، وذلك أنّه
__________________
(١) انظر معجم الأدباء (١٣ / ١٧٣) ، وأمالي ابن الشجري (١ / ٣٧).
٥٦٧ ـ الشاهد لأفنون التغلبي في خزانة الأدب (١١ / ١٣٩) ، والدرر (٦ / ١١١) ، وشرح اختيارات المفضّل (ص ١١٦٤) ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٤٤) ، ولسان العرب (علق) ، وبلا نسبة في الاشتقاق (ص ٢٥٩) ، وجمهرة اللغة (ص ٣٢٢) ، وخزانة الأدب (١١ / ٢٨٨) ، والخصائص (٢ / ١٨٤) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٤١٨) ، وشرح المفصل (٤ / ١٨) ، ولسان العرب (رأم) ، والمحتسب (١ / ٢٣٥) ، مغني اللبيب (١ / ٤٥) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٣٣).