معنى ، نحو : قام ، يفهم منه اقتران القيام بالزمن الماضي ، وليس الحرف كذلك لأنّك إذا ذكرت حرفا لا يفهم منه معنى إلّا إذا اقترن بضميمة من أحد قسيميه ، فإن قيل : لا يجوز أن يكون الحرف بلا معنى عند ذكره وحده لأنّه يبقى من قبيل المهملات وإنّما الحرف موضوع لا مهمل ، قلنا : لا نسلم أنّه يلزم من قولنا : إنّ الحرف لا يفهم منه معنى في حال الإفراد أن يكون من قبيل المهملات لأنّ الحرف وضع لأن يفهم منه معنى عند التركيب ، وليس المهمل كذلك ، فإنّ المهمل ليس له معنى لا في حال الإفراد ولا في حال التركيب ، والحق أنّ الحرف له معنى في نفسه ، لأنّا نقول لا يخلو المخاطب بالحرف من أن يفهم موضوعة لغة أوّلا ، فإن لم يفهم موضوعه لغة فلا دليل في عدم فهمه المعنى على أنّه لا معنى له ، لأنّه لو خوطب بالاسم والفعل وهو لا يفهم موضوعهما لغة كان كذلك ، وإن خوطب به من يفهم موضوعه لغة فإنّه يفهم منه معنى ، عملا بفهمه موضوعه لغة ، كما إذا خاطبنا إنسانا ب (هل) وهو يفهم أنّها موضوعة للاستفهام ، وكذا باقي الحروف ، فإذا عرفنا أنّ له معنى في نفسه.
ولنا طريق آخر ، وهو أن نقول : وإن خوطب به من يفهم موضوعه لغة فلا نسلم أنّه لا يفهم منه معنى ، واللغويّون كلّهم قالوا مثلا : إنّ (هل) للاستفهام ولم يقيّدوا بحال التركيب دون حال الإفراد ، فإن قيل : أيّ فرق بين معنى الاسم والفعل وبين معنى الحرف على ما ذكرت؟ قلنا : الفرق بينهما أنّ كل واحد من الاسم والفعل يفهم منه في حال الإفراد عين ما يفهم منه عند التركيب بخلاف الحرف لأنّ المعنى المفهوم من الحرف في حال التركيب أتمّ ممّا يفهم منه عند الإفراد». هذا كلام ابن النحاس بحروفه ، وقد ذكر الشيخ جمال الدين بن هشام في (شرح اللمحة) أنّ أبا حيان تابعه على ذلك في (شرح التسهيل) ، ولم أره فيه ، فلعله سقط من النسخة التي وقفت عليها ، وقد وقع ما هو أغرب من ذلك ، وهو أنّي لمّا كنت بمكة المشرّفة سنة تسع وستين وثمانمائة ذكرت هذا البحث في حاشية المطاف بحضرة جماعة ، وفيهم فاضل من العجم ، وهو مظفّر الدين محمد بن عبد الله الشيرازي ، فقال لي : هذا البحث وبحث الشريف الجرجاني طرفا نقيض ، فإنّ الشريف ذهب إلى أنّ الحرف لا معنى له أصلا لا في نفسه ولا في غيره ، وخالف النحاة كلهم في قولهم : إنّ له معنى في غيره ، وألف في ذلك رسالة ، ثم أحضر لي مظفر الدين الذكور تأليفا لنفسه اختصر فيه (شرح الكافية) للرّضي سمّاه «مرضي الرضي» ، فرأيته نقل فيه عن الشريف هذا البحث فتطلّبت الرسالة التي ألفها الشريف في ذلك حتى حصلتها.