وتركه ، كما يطلب الآمر وجوده ، وقد تدخل لا النافية بين الجار والمجرور ، نحو : «جئت بلا زاد» ، وبين الناصب والمنصوب ، نحو : «أخشى أن لا تقوم» فكذلك دخلت بين الجازم والمجزوم ، وهو لام الأمر ، لكنّها أضمرت كراهة اجتماع لامين في اللفظ ، قالوا : ظلت ، يريدون : ظللت ، فكان الأصل إذا نهيت : للا تذهب ، كما تقول في الأمر : ليذهب فأضمرت اللام لما ذكر».
قال أبو حيان : «وهذا الذي قاله في غاية من الشذوذ ، لأنّ فيه ادّعاء إضمار لم يلفظ به قطّ ، ولأنّ فيه إضمار الجازم وهو لا يجوز إلّا في ضرورة ، ولا يصحّ تشبيهه بقولهم : بلا زاد وأخشى أن لا تقوم ، فإنّه هنا لفظ بالعامل ، وفي ذلك لم يلفظ بالعامل يوما قطّ ، فقلا يحفظ من لسانهم «للا تذهب» لا في نثر ولا في نظم ، فهذه كلها دعاوى لا برهان عليها ، وأيضا فقد سبق إجماع النحويين كوفيّهم وبصريّهم على أنّ «لا» تفيد معنى النهي عن الفعل وأنّ الجزم بها نفسها ، لا نلم أحدا خالف في ذلك قبل هذا الرجل ، وهذا الرجل كان شاذّ المنازع في النحو ، وإن كان غير مدفوع عن ذكاء وفطنة ومعرفة ، وإنّما سرى إليه ذلك من شيخه أبي الحسين بن الطّراوة ، فإنّه لم يأخذ علم النحو إلّا عنه ، وابن الطراوة كما علمه النحاة كثير الخلاف لما عليه النحويون ، وقد صنّف كتبا في الرّدّ على سيبويه وعلى الفارسيّ ، وعلى الزّجّاجيّ ، وردّ الناس عليه ورموه عن قوس واحدة.
مذهب المازني أنّ فعلي الشرط والجزاء مبنيان ، وعنه رواية أنّ فعل الشرط معرب وفعل الجزاء مبني ، قال أبو حيان : «وهو مخالف لجميع النحويين».
قال أبو حيان : «من غريب ما يحكى في (إذا) أنّ أبا عبيدة معمر بن المثنّى زعم أنّها تأتي زائدة ، فتكون حرفا على هذا ، وأنشد : [البسيط]
٣٦٨ ـ حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة |
|
شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا |
قال : زادها لعدم الجواب ، كأنّه قال : حتى سلكوهم ، وأنشد أيضا : [الكامل]
__________________
٣٦٨ ـ الشاهد لعبد مناف بن ربع الهذليّ في الأزهيّة (ص ٢٠٣) ، والإنصاف (٢ / ٤٦١) ، وجمهرة اللغة (ص ٤٨٥) ، وخزانة الأدب (٧ / ٣٩) ، والدرر (٣ / ١٠٤) ، وشرح أشعار الهذليين (٢ / ٦٧٥) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٤٣١) ، ولسان العرب (شرد) ، و (قتد) ، و (سلك) ، ومراتب النحويين (ص ٨٥) ، ولابن أحمد في ملحق ديوانه (ص ١٧٩) ، ولسان العرب (حمر) ، وبلا نسبة في أدب الكاتب (ص ٤٣٤) ، والأشباه والنظائر (٥ / ٢٥) ، وأمالي المرتضى (١ / ٣) ، وجمهرة اللغة (ص ٣٩٠) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ١٣٩) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٠٧).