تَسْقِي الْحَرْثَ) [البقرة : ٧١] ، لأنّ ذلك واقع بعد الاستئناف على زعمه.
التنبيه الثاني : قد يحتمل اللفظ الاستئناف وغيره ، وهو نوعان :
أحدهما : ما إذا حمل على الاستئناف احتيج إلى تقدير جزء يكون معه كلاما ، نحو : «زيد» من قولك : «نعم الرّجل زيد».
والثاني : ما لا يحتاج فيه إلى ذلك ، لكونه جملة تامّة ، وذلك كثير جدّا ، نحو الجملة المنفيّة وما بعدها في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران : ١١٨]. قال الزمخشريّ : الأحسن والأبلغ أن تكون مستأنفات على وجه التعليل للنهي عن اتّخاذهم بطانة من دون المسلمين ، ويجوز أن يكون «لا يألونكم» و «قد بدت» صفتين ، أي : بطانة غير مانعتكم فسادا بادية بغضاؤهم. ومنع الواحديّ هذا الوجه ، لعدم حرف العطف بين الجملتين ، وزعم أنه لا يقال : «لا تتّخذ صاحبا يؤذيك أحبّ مفارقتك».
والذي يظهر أن الصفة تتعدّد بغير عاطف وإن كانت جملة كما في الخبر ، نحو : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ١ ـ ٤] ، وحصل للإمام فخر الدين في تفسير هذه الآية سهو ، فإنه سأل : ما الحكمة في تقديم «من دونكم» على «بطانة» ، وأجاب بأن محطّ النهي هو «من دونكم» لا «بطانة» ، فلذلك قدّم الأهمّ ، وليست التّلاوة كما ذكر ؛ ونظير هذا أن أبا حيان فسّر في سورةالأنبياء كلمة (زُبُراً) بعد قوله تعالى : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً) [المؤمنون : ٥٣] ، وإنما هي في سورةالمؤمنين ، وترك تفسيرها هناك ، وتبعه على هذا السّهو رجلان لخّصا من تفسيره إعرابا.
التنبيه الثالث : من الجمل ما جرى فيه خلاف ، هل هو مستأنف أم لا؟ وله أمثلة: أحدها : «أقوم» من نحو قولك : «إن قام زيد أقوم» ، وذلك لأن المبرد يرى أنّه على إضمار الفاء ، وسيبويه يرى أنه مؤخّر من تقديم ، وأن الأصل : أقوم إن قام زيد ، وأنّ جواب الشرط محذوف ، ويؤيّده التزامهم في مثل ذلك كون الشرط ماضيا.
وينبني على هذا مسألتان :
إحداهما : أنّه هل يجوز «زيدا إن أتاني أكرمه» بنصب «زيدا»؟ فسيبويه يجيزه كما تجيز «زيدا أكرمه إن أتاني» ، والقياس أن المبرّد يمنعه ، لأنه في سياق أداة الشّرط ، فلا يعمل فيما تقدّم على الشرط ، فلا يفسر عاملا فيه.
والثانية : أنه إذا جيء بعد هذا الفعل المرفوع بفعل معطوف ، هل يجزم أم لا؟ فعلى