محذوف ، أي : قوم يحرفون ، كقولهم : «منّا ظعن ومنّا أقام» أي : منا فريق ، فلا اعتراض ألبتة ، وقد مرّ أن الزمخشريّ أجاز في سورةالأعراف الاعتراض بسبع جمل على ما ذكر ابن مالك.
وزعم أبو علي أنّه لا يعترض بأكثر من جملة ، وذلك لأنه قال في قول الشاعر [من الطويل] :
٥٠٠ ـ أراني ولا كفران لله أيّة |
|
لنفسي قد طالبت غير منيل (١) |
إن «أيّة» وهي مصدر «أويت له» إذا رحمته ورفقت به لا ينتصب به «أويت» محذوفة ، لئلا يلزم الاعتراض بجملتين ، قال : وإنما انتصابه باسم «لا» ، أي : ولا أكفر الله رحمة مني لنفسي ، ولزمه من هذا ترك تنوين الاسم المطول ، وهو قول البغداديّين ، أجازوا «لا طالع جبلا» ، أجروه في ذلك مجرى المضاف ، كما أجري مجراه في الإعراب ؛ وعلى قولهم يتخرج الحديث «لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت» وأما على قول البصريّين فيجب تنوينه ، ولكن الرواية إنما جاءت بغير تنوين.
وقد اعتراض ابن مالك قول أبي علي بقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) [النحل : ٤٣ ـ ٤٤] ، وبقول زهير [من الوافر] :
٥٠١ ـ لعمرك ، والخطوب مغيّرات ، |
|
وفي طول المعاشرة التّقالي (٢) |
٥٠٢ ـ لقد باليت مظعن أمّ أوفى |
|
ولكن أمّ أوفى لا تبالي (٣) |
وقد يجاب عن الآية بأنّ جملة الأمر دليل الجواب عند الأكثرين ، ونفسه عند قوم : فهي مع جملة الشرط كالجملة الواحدة ، وبأنه يجب أن يقدّر للباء متعلّق محذوف ، أي : أرسلناهم بالبيّنات ، لأنه لا يستثنى بأداة واحدة شيئان ، ولا يعمل ما قبل «إلّا» فيما بعدها إلا إذا كان مستثنى ، نحو : «ما قام إلّا زيد» ، أو مستثنى منه ، نحو : «ما قام إلا زيدا أحد» ، أو تابعا له ، نحو : «ما قام أحد إلا زيدا فاضل».
* * *
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لابن الدمينة في ديوانه ص ٨٦ ، ولكثير عزة في الدرر ٢ / ٢٢٧ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٣٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٢٠.
(٢) البيت من الوافر ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٣٤٢ ، وكتاب العين ١ / ٢٤٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٢١.
(٣) البيت من الوافر ، وهو لزهير في ديوانه ص ٣٤٢ ، ولسان العرب ١١ / ٧٥ مادة / بول /.