وكالتنزيهيّة في قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) [النحل : ٥٧] ، كذا مثّل بعضهم.
وكالاستفهامية في قوله تعالى : (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا) [آل عمران : ١٣٥] كذا مثّل ابن مالك.
فأما الأولى فلا دليل فيها إذا قدر لهم خبرا ، و «ما» مبتدأ ، والواو للاستئناف لا عاطفة جملة على جملة ، وقدّر الكلام تهديدا كقولك لعبدك : «لك عندي ما تختار» ، تريد بذلك إيعاده أو التهكّم به ، بل إذا قدر (لَهُمْ) معطوفا على (لِلَّهِ) و (ما) معطوفة على (الْبَناتِ ؛) وذلك ممتنع في الظاهر ، إذ لا يتعدّى فعل الضمير المتّصل إلى ضميره المتصل إلا في باب ظنّ وفقد وعدم ، نحو : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) [آل عمران : ١٨٨] فيمن ضم الباء ، ونحو : (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٧) [العلق : ٧] ، ولا يجوز مثل «زيد ضربه» تريد ضرب نفسه ، وإنما يصحّ في الآية العطف المذكور إذا قدّر أن الأصل : ولأنفسهم ، ثم حذف المضاف ، وذلك تكلّف. ومن العجب أن الفرّاء والزمخشريّ والحوفيّ قدّروا العطف المذكور ، ولم يقدّروا المضاف المحذوف ، ولا يصحّ العطف إلا به.
وأما الثانية فنصّ هو وغيره على أن الاستفهام فيها بمعنى النفي ، فالجملة خبرية.
وقد فهم مما أوردته من أن المعترضة تقع طلبيّة وأن الحالية لا تقع إلا خبرية ، وذلك بالإجماع ، أما قول بعضهم في قول القائل [من السريع] :
٥٠٥ ـ اطلب ولا تضجر من مطلب |
|
[فآفة الطالب أن يضجرا](١) |
إن الواو للحال ، وإن «لا» ناهية ، فخطأ ، وإنما هي عاطفة إما مصدرا يسبك من «أن» والفعل على مصدر متوهّم من الأمر السابق ، أي : ليكن منك طلب وعدم ضجر ، أو جملة على جملة ، وعلى الأول ففتحة «تضجر» إعراب ، و «لا» : نافية ، والعطف مثله في قولك : «ائتني ولا أجفوك» بالنصب ، وقوله [من الوافر] :
٥٠٦ ـ فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى |
|
لصوت أن ينادي داعيان (٢) |
__________________
(١) البيت من السريع ، وهو لبعض المولدين في الدرر ٤ / ١٢ ، وشرح التصريح ١ / ٣٨٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣٤٧ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٥٦.
(٢) البيت من الوافر ، وهو للأعشى في الدرر ٤ / ٨٥ ، والرد على النحاة ص ١٢٨ ، وليس في ديوانه ، وللفرزدق في أمالي القالي ٢ / ٩٠ ، وليس في ديوانه ، ولدثار بن شيبان النمري في الأغاني ٢ / ١٥٩ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ٢ / ٨٦٤ ، وأوضح المسالك ٤ / ١٨٢.