ويجوز أن يكون (لَيَسْجُنُنَّهُ) [يوسف : ٣٥] جوابا لـ «بدا» ، لأنّ أفعال القلوب لإفادتها التحقيق تجاب بما يجاب به القسم ، قال [من الكامل] :
٥١٢ ـ ولقد علمت لتأتينّ منيّتي |
|
[إنّ المنايا لا تطيش سهامها](١) |
وقال الكوفيّون : الجملة فاعل ، ثم قال هشام وثعلب وجماعة : يجوز ذلك في كلّ جملة نحو : «يعجبني تقوم». وقال الفراء وجماعة : جوازه مشروط بكون المسند إليها قلبيّا ، وباقترانها بأداة معلّقة ، نحو : «ظهر لي أقام زيد» ، و «علم هل قعد عمرو» وفيه نظر ؛ لأن أداة التّعليق بأن تكون مانعة أشبه من أن تكون مجوّزة ، وكيف تعلق الفعل عما هو منه كالجزء؟ وبعد فعندي أن المسألة صحيحة ، ولكن مع الاستفهام خاصّة دون سائر المعلّقات ، وعلى أن الإسناد إلى مضاف محذوف لا إلى الجملة الأخرى ؛ ألا ترى أنّ المعنى ظهر لي جواب «أقام زيد» ، أي جواب قول القائل ذلك؟ وكذلك في «علم أقعد عمرو» وذلك لا بدّ من تقديره دفعا للتناقض ؛ إذ ظهور الشيء والعلم به منافيان للاستفهام المقتضي للجهل به.
فإن قلت : ليس هذا مما تصحّ فيه الإضافة إلى الجمل.
قلت : قد مضى لنا عن قريب أن الجملة التي يراد بها اللفظ يحكم لها بحكم المفردات.
السّابع : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) [البقرة : ١١] زعم ابن عصفور أن البصريّين يقدّرون نائب الفاعل في «قيل» ضمير المصدر ، وجملة النهي مفسّرة لذلك الضمير ، وقيل : الظّرف نائب عن الفاعل ؛ فالجملة في محل نصب ، ويردّ بأنه لا تتم الفائدة بالظّرف ، وبعدمه في (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) [الجاثية : ٣٢] والصواب أن النائب الجملة ؛ لأنها كانت قبل حذف الفاعل منصوبة بالقول ؛ فكيف انقلبت مفسرة؟ والمفعول به متعيّن للنيابة ، وقولهم الجملة لا تكون فاعلا ولا نائبا عن جوابه أنّ التي يراد بها لفظها يحكم لها بحكم المفردات ، ولهذا تقع مبتدأ ، نحو : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله كنز من كنوز الجنّة» ، وفي المثل «زعموا مطيّة الكذب» ومن هنا لم يحتج الخبر إلى رابط في نحو : «قولي لا إله إلا الله» كما لا يحتاج إليه الخبر المفرد الجامد.
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٣٠٨ ، وتخليص الشواهد ص ٤٥٣ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٥٩ ـ ١٦١ ، والدرر ٢ / ٢٦٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٢٨.