الثامن : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٩) [المائدة : ٩] لأنّ «وعد» يتعدّى لاثنين ، وليس الثاني هنا : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) [المائدة : ٩] لأن ثاني مفعولي «كسا» لا يكون جملة ، بل هو محذوف ، والجملة مفسّرة له ، وتقديره : خيرا عظيما أو الجنة ؛ وعلى الثّاني فوجه التّفسير إقامة السّبب مقام المسبّب ، إذ الجنّة مسببّة عن استقرار الغفران والأجر.
وقولي في الضابط «الفضلة» احترزت به عن الجملة المفسّرة لضمير الشأن ، فإنها كاشفة لحقيقة المعنى المراد به ، ولها موضع بالإجماع ، لأنها خبر في الحال أو في الأصل ، وعن الجملة المفسّرة في باب الاشتغال في نحو : «زيدا ضربته» ، فقد قيل : إنها تكون ذات محلّ كما سيأتي ، وهذا القيد أهملوه ولا بدّ منه.
مسألة ـ قولنا إنّ الجملة المفسّرة لا محلّ لها خالف فيه الشّلوبين ، فزعم أنها بحسب ما تفسّره ؛ فهي في نحو : «زيدا ضربته» لا محلّ لها ، وفي نحو : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩) [القمر : ٤٩] ، ونحو : «زيد الخبز يأكله» بنصب «الخبز» ـ في محل رفع ، ولهذا يظهر الرفع إذا قلت آكله ، وقال [من الطويل] :
٥١٣ ـ فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن |
|
[ومن لا نجره يمس منّا مفزّعا](١) |
فظهر الجزم ، وكأن الجملة المفسّرة عنده عطف بيان أو بدل ، ولم يثبت الجمهور وقوع البيان والبدل جملة ، وقد بيّنت أن جملة الاشتغال ليست من الجمل التي تسمّى في الاصطلاح جملة مفسّرة وإن حصل فيها تفسير ، ولم يثبت جواز حذف المعطوف عليه عطف البيان ، واختلف في المبدل منه. وفي البغداديات لأبي علي أن الجزم في ذلك بأداة شرط مقدّرة ، فإنه قال ما ملخّصه : إن الفعل المحذوف والفعل المذكور في نحو قوله [من الكامل] :
٥١٤ ـ لا تجزعي إن منفسا أهلكته |
|
[فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي](٢) |
مجزومان في التقدير ، وإنّ انجزام الثاني ليس على البدليّة ، إذ لم يثبت حذف المبدل منه ، بل على تكرير «إن» ، أي : إن أهلكت منفسا إن أهلكته ؛ وساغ إضمار «إن» ،
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لهشام المري في خزانة الأدب ٩ / ٣٨ ، والدرر ٥ / ٧٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٩ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٦١٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٢٩.
(٢) البيت من الكامل ، وهو للنمر بن تولب في ديوانه ص ٧٢ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٣١٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٧٢ ، ولة نسبة في الأزهية ص ٢٤٨.