وإن لم يجز إضمار لام الأمر إلا ضرورة لاتّساعهم فيها ، بدليل إيلائهم إيّاها الاسم ، ولأن تقدّمها مقوّ للدّلالة عليها ، ولهذا أجاز سيبويه «بمن تمرر أمرر» ، ومنع «من تضرب أنزل» لعدم دليل على المحذوف ، وهو عليه ، حتى تقول «عليه» ، وقال فيمن قال : «مررت برجل صالح إن لا صالح فطالح» بالخفض : إنه أسهل من إضمار «ربّ» بعد الواو ؛ وربّ شيء يكون ضعيفا ثم يحسن للضرورة كما في «ضرب غلامه زيدا» ، فإنه ضعيف جدّا ، وحسن في نحو : «ضربوني وضربت قومك» ، واستغن بجواب الأول عن جواب الثانية كما استغني في نحو : «أزيدا ظننته قائما» بثاني مفعولي «ظننت» المذكورة عن ثاني مفعولي «ظننت» المقدّرة.
الجملة الرابعة : المجاب بها القسم ، نحو : (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [يس : ٢ ـ ٣] ، ونحو : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧] ، ومنه (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) [الهمزة : ٤] ، (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) [الأحزاب : ١٥] ، يقدّر لذلك ولما أشبهه القسم.
وممّا يحتمل جواب القسم (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] وذلك بأن تقدر الواو عاطفة على (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ) [مريم : ٧٠] ، فإنّه وما قبله أجوبة لقوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ) [مريم : ٦٨] ، وهذا مراد ابن عطيّة من قوله : هو قسم ، والواو تقتضيه ، أي : هو جواب قسم ، والواو هي المحصّلة لذلك لأنها عاطفة ؛ وتوهّم أبو حيان عليه ما لا يتوهّم على صغار الطّلبة ، وهو أن الواو حرف قسم ، فردّ عليه بأنه يلزم منه حذف المجرور وبقاء الجار ، وحذف القسم مع كون الجواب منفيّا بـ «إن».
تنبيه ـ من أمثلة جواب القسم ما يخفى ، نحو : (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) (٣٩) [القلم : ٣٩] ، (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) [البقرة : ٨٣] ، (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) [البقرة : ٨٤] ، وذلك لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف ، قاله كثيرون منهم الزجّاج ، ويوضحه (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١٨٧]. وقال الكسائي والفرّاء ومن وافقهما : التقدير : بأن لا تعبدوا إلا الله ، وبأن لا تسفكوا ، ثم حذف الجارّ ، ثم «أن» فارتفع الفعل ؛ وجوّز الفرّاء أن يكون الأصل النّهي ، ثم أخرج مخرج الخبر ، ويؤيّده أن بعده (وَقُولُوا) [البقرة : ٨٣] (وَأَقِيمُوا) [البقرة : ٨٣] (وَآتُوا) [البقرة : ٨٤].
ومما يحتمل الجواب وغيره قول الفرزدق [من الطويل] :