بدّ من احتمالها للصّدق والكذب ، ولهذا منع قوم من الكوفيين ـ منهم ابن الأنباري ـ أن يقال : «زيد اضربه وزيد هل جاءك!».
وبعد فعندي أن كلّا من التعليلين ملغى.
أما الأول فلأنّ الجملتين مرتبطتان ارتباطا صارتا به كالجملة الواحدة وإن لم يكن بينهما عمل. وزعم ابن عصفور أن السّماع قد جاء بوصل الموصول بالجملة القسمية وجوابها ، وذلك قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود : ١١١] ، قال : فـ «ما» موصولة لا زائدة ، وإلّا لزم دخول اللّام على اللام ، انتهى. وليس بشيء ، لأن امتناع دخول اللام على اللام إنّما هو لأمر لفظيّ ، وهو ثقل التكرار ، والفاصل يزيله ولو كان زائدا ، ولهذا اكتفى بالألف فاصلة بين النونات في «اذهبنانّ» وبين الهمزتين في (أَأَنْذَرْتَهُمْ) [البقرة : ٦] وإن كانت زائدة ، وكان الجيد أن يستدلّ بقوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) [النساء : ٧٢] ، فإن قيل : تحتمل «من» الموصوفيّة ، أي : لفريقا ليبطئن ، قلنا : وكذا ما في الآية ، أي : لقوم ليوفينهم ؛ ثم إنه لا يقع صفة إلا ما يقع صلة فالاستدلال ثابت وإن قدّرت صفته ؛ فإن قيل : فما وجهه والجملة الأولى إنشائية؟ قلت : جاز لأنها غير مقصودة ، وإنّما المقصود جملة الجواب ، وهي خبريّة ، ولم يؤت بجملة القسم إلا لمجرّد التوكيد ، لا للتأسيس.
وأما الثاني فلأن الخبر الذي شرطه احتمال الصّدق والكذب الخبر الذي هو قسيم الإنشاء ، لا خبر المبتدأ ، للاتفاق على أن أصله الإفراد ، واحتمال الصدق والكذب إنما هو من صفات الكلام ، وعلى جواز «أين زيد؟ وكيف عمرو؟» وزعم ابن مالك أن السّماع ورد بما منعه ثعلب ، وهو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) (٩) [العنكبوت : ٩] ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) [العنكبوت : ٥٨] ، (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ) [العنكبوت : ٦٩] ، وقوله [من الكامل] :
٥١٩ ـ جشأت فقلت: اللّذ خشيت ليأتين |
|
[وإذا أتاك فلات حين مناص](١) |
وعندي لما استدلّ به تأويل لطيف ، وهو أن المبتدأ في ذلك كلّه ضمن معنى الشرط ، وخبره منزل منزلة الجواب ؛ فإذا قدّر قبله قسم كان الجواب له ؛ وكان خبر
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٠.