أحدها : باب الحكاية بالقول أو مرادفه :
فالأول نحو : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) [مريم : ٣٠] ، وهل هي مفعول به أو مفعول مطلق نوعيّ كـ «القرفصاء» في «قعد القرفصاء» ، إذ هي دالّة على نوع خاصّ من القول؟ فيه مذهبان ، ثانيهما اختيار ابن الحاجب ، قال : والذي غرّ الأكثرين أنهم ظنّوا أن تعلّق الجملة بـ «القول» كتعلّقها بـ «علم» في «علمت لزيد منطلق» ، وليس كذلك ، لأن الجملة نفس القول ، والعلم غير المعلوم فافترقا ، ا ه.
والصواب قول الجمهور ، إذ يصحّ أن يخبر عن الجملة بأنها مقولة كما يخبر عن زيد من «ضربت زيدا» بأنه مضروب ، بخلاف «القرفصاء» في المثال ، فلا يصحّ أن يخبر عنها بأنها مقعودة ؛ لأنها نفس القعود وأما تسمية النحويّين الكلام قولا فكتسميتهم إيّاه لفظا ، وإنما الحقيقة أنه مقول وملفوظ.
والثاني : نوعان : ما معه حرف التفسير ، كقوله [من الطويل] :
٥٢٨ ـ وترمينني بالطّرف أي أنت مذنب |
|
وتقلينني ، لكنّ إيّاك لا أقلي (١) |
وقولك : «كتبت إليه أن أفعل» إذا لم تقدّر باء الجرّ ، والجملة في هذا النوع مفسّرة للفعل فلا موضع لها ؛ وما ليس معه حرف التفسير ، نحو : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) [البقرة : ١٣٢] ، ونحو : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) [هود : ٤٢] ، وقراءة بعضهم : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ) [القمر : ١٠] بكسر الهمزة ، وقوله [من الرجز] :
٥٢٩ ـ رجلان من مكّة أخبرانا |
|
إنّا رأينا رجلا عريانا (٢) |
روي بكسر «إنّ» فهذه الجمل في محلّ نصب اتّفاقا ، ثم قال البصريّون : النصب بقول مقدّر ، وقال الكوفيون : بالفعل المذكور ؛ ويشهد للبصريّين التصريح بالقول في نحو : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) [هود : ٤٥] ، ونحو : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) [مريم : ٣ ـ ٤] ؛ وقول أبي البقاء في قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء : ١١] إن الجملة الثانية في موضع
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٢٣ ، والجنى الداني ص ٢٣٣ ، وجواهر الأدب ص ٢١٨ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٥٥ ، والدرر ٤ / ٣١.
(٢) الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ١٨٣ ، والخصائص ٢ / ٣٣٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٣.