نصب بـ «يوصي» ، قال : لأن المعنى : يفرض لكم أو يشرع لكم في أمر أولادكم ، وإنما يصحّ هذا على قول الكوفيّين ؛ وقال الزمخشري : إن الجملة الأولى إجمال ، والثانية تفصيل لها ، وهذا يقتضي أنها عنده مفسّرة ولا محلّ لها ، وهو الظاهر.
تنبيهات ـ الأول : من الجمل المحكيّة ما قد يخفى ؛ فمن ذلك في المحكيّة بعد القول : (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) (٣١) [الصافات : ٣١] ، والأصل : إنكم لذائقون عذابي ، ثم عدل إلى التكلّم ، لأنهم تكلموا بذلك عن أنفسهم ، كما قال [من الطويل] :
٥٣٠ ـ ألم تر أنّي ، يوم جوّ سويقة ، |
|
بكيت فنادتني هنيدة ما ليا (١) |
والأصل ما لك ؛ ومنه في المحكيّة بعد ما فيه معنى القول : (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) (٣٨) [القلم : ٣٧ ـ ٣٨] ، أي : تدرسون فيه هذا اللفظ ، أو تدرسون فيه قولنا هذا الكلام ، وذلك إما على أن يكونوا خوطبوا بذلك في الكتاب على زعمهم ، أو الأصل : إن لهم لما يتخيرون ، ثم عدل إلى الخطاب عند مواجهتهم ، وقد قيل في قوله تعالى : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) [الحج : ١٣] إن «يدعو» في معنى يقول ، مثلها في قول عنترة [من الكامل] :
٥٣١ ـ يدعون عنتر والرّماح كأنّها |
|
أشطان بئر في لبان الأدهم (٢) |
فيمن رواه «عنتر» بالضمّ على النّداء ، وإن (مِنْ) مبتدأ ، و (لَبِئْسَ الْمَوْلى) خبره ، وما بينهما جملة اسميّة صلة ، وجملة (مِنْ) وخبرها محكيّة بـ «يدعو» ، أي : أن الكافر يقول ذلك في يوم القيامة ؛ وقيل : «من» مبتدأ حذف خبره : أي إلهه ، وإن ذلك حكاية لما يقول في الدّنيا ، وعلى هذا فالأصل يقول : الوثن إلهه ، ثم عبّر عن الوثن بمن ضرّه أقرب من نفعه تشنيعا على الكافر.
الثاني : قد يقع بعد القول ما يحتمل الحكاية وغيرها ، نحو : «أتقول موسى في الدّار» ، فلك أن تقدّر «موسى» مفعولا أول و «في الدار» مفعولا ثانيا على إجراء القول مجرى الظن ، ولك أن تقدّرهما مبتدأ وخبرا على الحكاية كما في قوله تعالى : (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ٣٦٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٣ والمنصف ٣ / ١١٧ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٨٥٣.
(٢) البيت من الكامل ، وهو لعنترة في ديوانه ص ٢١٦ ، والأغاني ٩ / ٢١٢ ، والدرر ٣ / ٥٦ وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٠٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٨١.