وَإِسْحاقَ) [البقرة : ١٤٠] الآية ، ألا ترى أن القول قد استوفى شروط إجرائه مجرى الظنّ ومع هذا جيء بالجملة بعده محكيّة.
الثالث : قد يقع بعد القول جملة محكيّة ولا عمل للقول فيها ، وذلك نحو : «أوّل قولي إنّي أحمد الله» إذا كسرت «إنّ» ؛ لأن المعنى : أوّل قولي هذا اللفظ ، فالجملة خبر لا مفعول ، خلافا لأبي علي ، زعم أنّها في موضع نصب بالقول ، فبقي المبتدأ بلا خبر ، فقدّر «موجود» أو «ثابت» ، وهذا المقدّر يستغنى عنه ، بل هو مفسد للمعنى ؛ لأنّ «أول قولي إني أحمد الله» باعتبار الكلمات «إن» وباعتبار الحروف الهمزة ، فيفيد الكلام على تقديره الإخبار بأن ذلك الأوّل ثابت ، ويقتضي بمفهومه أن بقيّة الكلام غير ثابت ، اللهم إلا أن يقدّر «أول» زائدا ، والبصريّون لا يجيزونه ؛ وتبع الزمخشريّ أبا علي في التقدير المذكور ، والصّواب خلاف قولهما ، فإن فتحت فالمعنى حمد الله ، يعني بأي عبارة كانت.
الرابع : قد تقع الجملة بعد القول غير محكيّة به ، وهي نوعان :
(١) محكيّة بقول آخر محذوف ، كقوله تعالى : (فَما ذا تَأْمُرُونَ) [الأعراف : ١٠٩ ـ ١١١] بعد (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) (١٠٩) [الأعراف : ١٠٩] ، لأنّ قولهم تمّ عند قوله : (مِنْ أَرْضِكُمْ) [الأعراف : ١١٠] ، ثم التقدير : «فقال فرعون» ، بدليل (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) [الأعراف : ١١١] ، وقول الشاعر [من الرجز] :
٥٣٢ ـ قالت له ، وهو بعيش ضنك ، |
|
لا تكثري لومي وخلّي عنك (١) |
التقدير : قالت له : أتذكر قولك لي إذ ألومك في الإسراف في الإنفاق ، لا تكثري لومي ، فحذف المحكيّة بالمذكور ، وأثبت المحكيّة بالمحذوف.
(٢) وغير محكيّة ، وهي نوعان : دالّة على المحكيّة ، كقولك : «قال زيد لعمرو في حاتم أتظنّ حاتما بخيلا» فحذف المقول ، وهو «حاتم بخيل» مدلولا عليه بجملة الإنكار التي هي من كلامك دونه ؛ وليس من ذلك قوله تعالى : (قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) [يونس : ٧٧] وإن كان الأصل ، والله أعلم : أتقولون للحقّ لما جاءكم هذا سحر ، ثم حذفت مقالتهم مدلولا عليها بجملة الإنكار ؛ لأن جملة الإنكار هنا محكيّة بالقول الأول ، وإن لم تكن محكية بالقول الثاني ، وغير دالّة عليه نحو : (وَلا يَحْزُنْكَ
__________________
(١) الرجز بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٤.