ومنه قول بعضهم : «أما ترى أيّ برق ههنا» ، لأنّ «رأى» البصرية وسائر أفعال الحواسّ إنما تتعدّى لواحد بلا خلاف ، إلا «سمع» المعلّقة باسم عين ، نحو : «سمعت زيدا يقرأ» فقيل : «سمع» متعدّية لاثنين ثانيهما الجملة ، وقيل : إلى واحد والجملة حال ، فإن علّقت بمسموع فمتعدّية لواحد اتفاقا ، نحو : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ) [ق : ٤٢].
وليس من الباب (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) [مريم : ٦٩] خلافا ليونس ، لأن «ننزع» ليس بفعل قلبيّ ، بل «أيّ» موصولة لا استفهاميّة ، وهي المفعول ، وضمّتها بناء لا إعراب ، و «أشد» : خبر لـ «هو» محذوفا ، والجملة صلة.
والثالث : أن تكون في موضع المفعولين ، نحو : (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً) [طه : ٧١] ، (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) [الكهف : ١٢] ، ومنه (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧] لأن «أيّا» مفعول مطلق لـ «ينقلبون» ، لا مفعول به لـ «يعلم» ، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، ومجموعة الجملة الفعليّة في محل نصب بفعل العلم.
ومما يوهمون في إنشاده وإعرابه [من الطويل] :
٥٣٤ ـ ستعلم ليلى أيّ دين تداينت |
|
وأيّ غريم للتّقاضي غريمها (١) |
والصواب فيه نصب «أيّ» الأولى على حد انتصابها في (أَيَّ مُنْقَلَبٍ) إلا أنها مفعول به ، لا مفعول مطلق ، ورفع «أيّ» الثانية مبتدأ ، وما بعدها الخبر ، والعلم معلّق عن الجملتين المتعاطفتين الفعلية والاسمية.
واختلف في نحو : «عرفت زيدا من هو» فقيل جملة الاستفهام حال ، وردّ بأن الجمل الإنشائية لا تكون حالا ؛ وقيل : مفعول ثان على تضمين «عرف» معنى «علم» ، وردّ بأن التضمين لا ينقاس ، وهذا التركيب مقيس ؛ وقيل : بدل من المنصوب ، ثم اختلف ؛ فقيل : بدل اشتمال ، وقيل : بدل كلّ ، والأصل : عرفت شأن زيد ؛ وعلى القول بأن «عرف» بمعنى «علم» فهل يقال : إن الفعل معلّق أم لا؟
قال جماعة من المغاربة : إذا قلت : «علمت زيدا لأبوه قائم» أو «ما أبوه قائم» ، فالعامل معلّق عن الجملة ، وهو عامل في محلّها النصب على أنها مفعول ثان ، وخالف في ذلك بعضهم ، لأن الجملة حكمها في مثل هذا أن تكون في موضع نصب ، وأن لا يؤثّر العامل في لفظها وإن لم يوجد معلّق ، وذلك نحو : «علمت زيدا أبوه قائم» ؛
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٣٨٤ ـ ٨٨٢.