ويحتمل أن يكون منه (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] ، ويبعده (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) [الشورى : ١٧] ، فذكّر الوصف حيث لا إضافة ، ولكن ذكر الفرّاء أنهم التزموا التّذكير في «قريب» إذا لم يرد قرب النسب قصدا للفرق ؛ وأما قول الجوهري : «إن التّذكير لكون التأنيث مجازيّا» فوهم ، لوجوب التأنيث في نحو : «الشّمس طالعة ، والموعظة نافعة» ، وإنما يفترق حكم المجازيّ والحقيقيّ الظاهرين ، لا المضمرين.
السادس : تأنيث المذكّر ،كقولهم : «قطعت بعض أصابعه» ، وقرىء (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) [يوسف : ١٠] ، ويحتمل أن يكون منه (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] ، (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) [آل عمران : ١٠٣] ، أي : من الشّفا ، ويحتمل أن الضّمير لـ «النار» ، وفيه بعد ، لأنهم ما كانوا في النار حتى ينقذوا منها ، وأن الأصل : فله عشر حسنات أمثالها ؛ فالمعدود في الحقيقة الموصوف ، وهو مؤنّث ، وقال [من الرجز] :
٦٥٦ ـ طول اللّيالي أسرعت في نقضي |
|
نقضن كلّي ونقضن بعضي (١) |
وقال [من الوافر] :
٦٥٧ ـ وما حبّ الدّيار شغفن قلبي |
|
[ولكن حبّ من سكن الدّيارا](٢) |
وأنشد سيبويه [من الطويل] :
٦٥٨ ـ وتشرق بالقول الّذي قد أذعته |
|
كما شرقت صدر القناة من الدّم (٣) |
وإلى هذا البيت يشير ابن حزم الظاهريّ في قوله [من الطويل] :
٦٥٩ ـ تجنّب صديقا مثل ما ، واحذرالّذي |
|
يكون كعمرو بين عرب وأعجم |
٦٦٠ ـ فإنّ صديق السّوء يزري، وشاهدي |
|
كما شرقت صدر القناة من الدّم |
ومراده بـ «ما» الكناية عن الرجل الناقص كنقص «ما» الموصولة ، وب «عمرو» الكناية عن الرجل المريد أخذ ما ليس له كأخذ «عمرو» الواو في الخط.
__________________
(١) البيت من بحر الرجز ، وهو بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤١٨ ، وأوضح المسالك ٣ / ١٠٣.
(٢) البيت من الوافر ، وهو للمجنون في ديوانه ص ١٣١ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٧٧ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٦٩.
(٣) البيت من البحر الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٧٣ ، والأزهية ص ٢٣٨ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٠٦.